الفضل في هذه الخطوة الجبارة التي أنقذت مصر من حرب أهلية مدمرة، كانت تطل برأسها من كل الأبواب والنوافذ، أولاً لشعب مصر العظيم، الذي أثبت أنه لا يقبل الضيم ولا يصبر على القهر والانحراف، وثانياً للجيش المصري المقدام الذي يتصف بوطنية مميزة، والذي بقي حارساً أميناً لحدود بلده على مدى حقب التاريخ المعاصرة، ومجسداً لطموحات شعبه، ولم تتلطخ أيدي منتسبيه من جنود وضباط في أي يوم من الأيام بدماء أبناء هذا الشعب.

Ad

كانت مصر، مساء أمس الأول، ذاهبة إلى الفوضى والاقتتال الداخلي والحرب الأهلية، فالذين اختطفوا الحكم في لحظة مريضة تعثرت فيها الرؤية الصحيحة وتراجعت خلالها الاختيارات الدقيقة، بادروا منذ البدايات إلى تبني تجارب كل الأحزاب والقوى الشمولية التي أفرزت أنظمة احتكارية واستبدادية، وإلى اتباع كل الوسائل والأساليب الملتوية لاحتكار السلطة والتعامل مع الديمقراطية على أنها مجرد طريق واحد في اتجاه واحد لا يسلكه غيرهم.

"الضرورات تبيح المحظورات"، ويقيناً لو أن القوات المسلحة المصرية بضباطها الأشاوس وجنودها الأبطال لم تتدخل في اللحظة المناسبة لتُصحِّح الأمور ولتعدِّل المسار لكانت مصر تسبح الآن في الدماء حتى عنقها، ولكان الشعب المصري المعروف بطيبته وتسامحه وطول "باله" وبصبره وكرهه للعنف والاقتتال يُذبِّح بعضه بعضاً، فالأوضاع الاقتصادية والسياسية أيضاً بعد عام واحد فقط من حكم الإخوان المسلمين غدت متردية كما لم تكن عليه في أي يوم من الأيام، وأصبحت أرض الكنانة خلال هذا العام غير أرض وادي النيل السابقة الهادئة كهدوء ماء هذا النهر الذي إنْ هو فاض فإنه لا يبقي ولا يذر ويدمِّر كل شيء.

من المعروف أن هذه "الجماعة" المعروفة بأنها تجيد الهدم، لكنها لا تتقن ولا تعرف البناء كانت قد التحقت متأخرة جداً بالثورة على النظام السابق وأنها، لسذاجة الأميركيين وعدم معرفتهم بحقيقة المزاج الشرقي وبخاصة مزاج الشعب المصري ولعدم وجود قوى مناهضة لها، أي لهذه الجماعة، مؤطرة وفعلية وحقيقية ولديها رؤية واضحة سواء تجاه الحاضر أو المستقبل، قد تمكنت من اختطاف هذه الثورة وانتزاع الحكم من أيدي الآخرين الأكثر منها أحقيَّة والسعي منذ اللحظة الأولى لاحتكار السلطة، وإقصاء كل من لا يسير في ركبها والسيطرة على كل شيء.

قد يعتبر البعض أن ما جرى هو عودة إلى الانقلابات العسكرية الكريهة، التي هيمنت على الحالة العربية بصورة عامة نحو نصف قرن وأكثر قليلاً، ولكن هذا غير صحيح على الإطلاق، فالقوات المسلحة المصرية بمبادرتها إلى هذه الخطوة التي كانت ضرورية ولازمة لم تكن تريد السلطة ولا الحكم، وكان دافعها إنقاذ مصر من مستنقع الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية وإنقاذ شعبها من حكم ونظام حزب متخلف لا يقبل بالآخرين، لا رأياً ولا وجوداً، وهو حزب لا علاقة له بمعطيات واستحقاقات القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة، ولايزال يتمسك بمفاهيم سياسية بائدة، عفى عليها الزمن، ولم تعد ملائمة لهذه المرحلة على الإطلاق.

لم توجه القوات المسلحة المصرية فوهات بنادقها في أي يوم من الأيام إلى صدور أبناء شعبها، ولا إلى صدور أيٍّ من أبناء الشعوب العربية الشقيقة، وهنا فإن ما قامت به أمس الأول، من المفترض أن تقوم به القوات المسلحة السورية التي كان عليها منذ البدايات ألا تبادر إلى ارتكاب كل هذه المجازر التي ارتكبتها ضد شعبها دفاعاً عن نظام استبدادي ظالم، وهي التي كانت ارتكبت مثلها عام 1964 وفي عام 1982. وأبشع منها ضد المخيمات الفلسطينية في لبنان، وضد اللبنانيين أنفسهم على مدى ثلاثين عاماً وأكثر.

ومع ذلك فهل الجيش السوري، بباقي ما تبقى فيه سيصحو، وإنْ متأخراً، ويقوم بما قام به الجيش المصري ويبادر إلى إقصاء هذا الرئيس، الذي قتل الآلاف المؤلفة من شعب لم يعد شعبه وألحق بسورية كل هذا الدمار والخراب، وحوَّلها إلى ساحة صراع إقليمي وسلم قرارها للروس والإيرانيين، وحتى إلى حسن نصر الله، ويُمهد خلال مرحلة انتقالية إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية تضع هذا البلد مجدداً على طريق الديمقراطية والحريات العامة.