«المنعطف اللغوي» لجمال حمود... المنطق الرياضي
صدر أخيراً عن «منشورات الاختلاف» وعن دار «الأمان» كتاب «المنعطف اللغوي في الفلسفة المعاصرة... برتراند راسل نموذجاً»، للكاتب الجزائري جمال حمود.
يشير الكاتب جمال حمود في كتابه «المنعطف اللغوي في الفلسفة المعاصرة... برتراند راسل نموذجاً» إلى أن المنعطف اللغوي حركة فلسفية قوية ومؤثرة ظهرت في القرن العشرين، ولعل السمة الأبرز فيها هي النظر إلى اللغة على أنها موضوع الفلسفة المفضل. وفي هذا الصدد، فقد أدرك راسل أن دراسة الفكر مهما كانت، لا بد من أن تمر بدراسة اللغة باعتبارها رداء الفكر. كذلك أدرك تأثير اللغة على الفلسفة سواء بمفرداتها أو بتراكيبها، ونبه إلى مخاطر استعمال اللغة في مجال الفلسفة والعلم. وكان للأبحاث التي قام بها راسل في مجالي الرياضيات والمنطق أن اكتشف بعض الصعوبات المهمة والخطيرة التي اعترضت سبيل التأسيس المنطقي للعلم الرياضي، وكان على رأسها تلك التي نتجت عن رد «العدد» إلى مفهوم «الفئة»، حيث شكلت عملية الرد تلك حجر الزاوية في محاولة إقامة العلم الرياضي على المفاهيم الأساسية للمنطق الحديث. فقد لاحظ راسل أن الفئة تكون أحياناً عضواً لذاتها وأحياناً أخرى لا تكون. ففئة الرسائل الجامعية مثلاً، ليست رسالة جامعية أخرى تضاف إلى سائر الرسائل، ولكن فئة الأشياء التي ليست رسائل جامعية. وهكذا نجد أن الفئة تكون عضواً ولا تكون لذاتها وفي هذا تناقض واضح.
وهذه الصعوبة لم تكن بالشيء الهين، خصوصاً أن العلم الرياضي الحديث يقوم على فكرة «النسق الاستنباطي» الذي يقوم بدوره على شرط أساسي هو «الاتساق» أو عدم التناقض، ومنه فإن ظهور التناقض في النظرية الاستنباطية مساو ببساطة لرفضها، لذلك كانت تلك الصعوبة تهديداً حقيقياً، ليس فحسب لأسس العلم الرياضي الذي كان يعد مثالاً لليقين العلمي ولكنها شكلت أيضاً تهديداً لأحد أهم مبادئ العقل وهو مبدأ عدم التناقض.منعطف لغوييلفت حمود إلى أن أهمية الكتابة في موضوع المنعطف اللغوي عند راسل تكمن في أسباب ودوافع عدة من بينها: يعد المنعطف اللغوي عند راسل امتداداً للتأسيس المنطقي للغة الرياضيات وامتداداً لمحاولة إضفاء طابع المعقولية على الخطاب الرياضي ثم الفلسفي، ومن هنا تقوم فلسفة اللغة عنده على التواصل والترابط بين البحث المنطقي الرياضي والفلسفي. كذلك فإن المنعطف اللغوي عند راسل ارتبط في منهجه وفي مفاهيمه الدلالية والمنطقية، بمشروعه في بناء لغة «الفلسفة العلمية»، تلك هي «اللغة الكاملة منطقياً» حيث بواسطة هذه اللغة تصبح الفلسفة شبيهة بالعلوم في دقة لغاتها، ولكنها تتجاوز العلوم بشمولية لغتها. وهذا مشروع جريء في فكرته ومن منهجه يستحق الدراسة والتحليل. وترتبط أهمية المنعطف اللغوي عند راسل أيضاً بأهمية ومكانة هذا الأخير في الفلسفة المعاصرة، فقد كان عالم رياضيات ومنطق وفيلسوفاً، عاش قرابة القرن وأمضى حوالى 80 عاماً يكتب في مجالات الفكر المختلفة من رياضيات ومنطق وفلسفة وأخلاق وسياسة، فاستحق لقب «فيلسوف القرن العشرين». يتألف الكتاب من خمسة فصول، في الأول بعنوان «مكانة اللغة في فلسفة التحليل المعاصرة» يعّرفنا المؤلف بفلسفة اللغة، ثم يعرض المسائل الأساسية فيها وهي المسألة النفسانية والمسألة الألسنية والمسألة المنطقية، مركزاً على المسألة الأخيرة لما حظيت به من اهتمام عند فلاسفة التحليل عموماً وعند راسل خصوصاً. ويبرز الفصل أيضاً أوجه الاختلاف الأساسية بين علم الدلالة المنطقي وعلم الدلالة الألسني، ثم يعرض الكاتب الاتجاهات الرئيسة في فلسفة التحليل، ويخلص إلى أنها تلتقي في نقطة مهمة هي ربط فلسفة اللغة بسؤالين مركزيين هما: «كيف نعرف؟» و «ماذا نعني؟».أما الفصل الثاني بعنوان «منهج التحليل عند راسل، مفهومه، أدواته ومميزاته»، فقد تناول فيه جمال حمود بالدراسة مفهوم التحليل ثم تناول علاقته بكل من التقسيم والتعريف ثم درس أدوات التحليل وهي «نصل أوكام». ثم «البناءات المنطقية» التي تعمل كلغة توضيح من خلال توفيرها مجموعة من التعاريف تسمح لنا بمعرفة حقيقة الدلالة في اللغة. وخلص الكاتب إلى تحديد مفهوم التحليل المنطقي عند راسل ثم مميزاته الأساسية وهي: المقابلة بين التحليل والتركيب، «المنطق جوهر الفلسفة»، التحليل منهج الشك. وفي ختام الفصل قام الكاتب بتقييم المنهج.فلسفة مثاليةفي الفصل الثالث «التحليل الفلسفي للغة عند راسل في 1903» عالج الكاتب صلة راسل بالفلسفة المثالية الألمانية، ثم تحوله إلى الفلسفة الواقعية بفعل تأثره بكل من مور وفريج وماينونج. ثم انتقل إلى دراسة نظرية راسل في النحو الفلسفي، من خلال ثلاث مسائل هي: أسماء الأعلام والأسماء الكلية، «النظرية الإشارية في المعنى» ثم «النظرية الواقعية في الصدق». كذلك تناول التحليل الفلسفي باللغة العادية، طبيعة التحليل الفلسفي، وخلص إلى إبراز بعض صعوبات هذا النوع من التحليل.جاء الفصل الرابع بعنوان «التحليل الفلسفي للغة عند راسل»، وفيه تناول حمود نظرية فريج في المعنى والإشارة، ثم نظرية راسل في الأوصاف من خلال مفهوم العبارة الوصفية وأنواعها وتفرقة راسل بين العبارة الوصفية واسم العلم. ثم عقد مقارنة بين نظرية الدلالة في 1903 ونظرية الإشارة في 1905 من خلال طبيعة كل من: المنهج، اللغة، الدلالة والصدق. وخلص المؤلف إلى تقييم النظرية الوصفية مبرزاً إيجابياتها وسلبياتها من خلال آراء بعض فلاسفة التحليل المعاصر. أما الفصل الخامس فكان بعنوان «المعرفة والدلالة في اللغة الكاملة منطقياً عند راسل» وقد تناول فيه حمود نظرية راسل في المعرفة بنوعيها المباشرة والوصفية، حيث ركز على النوع الأول لارتباطه بنظريته في أسماء الأعلام المنطقية، وبنظريته في الجزئيات التأكيدية. ثم بحث في الدلالة في اللغة الكاملة منطقياً من خلال نظرية راسل في الوقائع والقضايا ثم نظريات الدلالة في تلك اللغة. وانتقل لاحقاً إلى دراسة نظريته في اللامعنى من خلال نظرية الأنماط المنطقية، مبرزاً أهمية هذه النظرية في التفرقة بين اللغة الشيئية ولغة اللغة. ويخلص في الختام إلى تقييم مشروع بناء اللغة الكاملة منطقياً مركزاً على إيجابياته وسلبياته في الفلسفة.