في غمرة انشغال الجميع بصخب الأعمال والبرامج الرمضانية، والسباق المحموم بين أصحابها لاحتلال الصدارة والفوز بأعلى نسبة مشاهدة، زفت لنا المخرجة المستقلة ساندرا ماضي، المولودة في العاصمة الأردنية عمان لأبوين فلسطينيين، خبر استكمال تصوير الفيلم الوثائقي الفلسطيني الأردني «ساكن».

Ad

تدور الأحداثه في مشفى في العاصمة الأردنية عمان، ويتابع يوميات علاقة صداقة استثنائية توطدت منذ 13 عاماً، بين الفدائي الفلسطيني إبراهيم، الذي أصيب بشلل قبيل الاجتياح الإسرائيلي لدولة لبنان عام 1982، وبين وليد الشاب المصري الذي قدم من الريف، ويلازم إبراهيم طوال 15 سنة كمرافق له في المشفى التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، في تأكيد من الفيلم على قيمة الصداقة والتضحية والأقدار التي تتلاقى وتتقاطع ويصعب تغييرها، وهو ما علقت عليه مخرجة الفيلم ساندرا ماضي بقولها: «أشعر بانجذاب نحو الأشخاص الذين ينساهم الآخرون،  فهم في رأيي أبطال، وفي أغلب الأحيان يمكن للناس أن يشعروا بوجود صلة بينهم وبين هؤلاء».

«ساكن» من تصوير علي سعدي وإنتاج مجد حجاوي، وحاصل على جائزة صندوق تمويل الأفلام الوثائقية الطويلة في مؤسسة الشاشة في بيروت في دورة ربيع عام 2013، وإشراف مؤسسة «كربون أحمر»، التي تنتج وتشرف على إدارة أعمال المخرجة ساندرا ماضي من أفلام وثائقية وإعلانات ونتاجات فنية مسرحية وغيرها.

تكمن أهمية فيلم «ساكن» في أنه يُعيد إحياء القضية الفلسطينية على الشاشة الكبيرة، ويُجدد التنويه إلى أبعادها المختلفة، والجوانب المضيئة في مناضليها، بعد سنوات من التجاهل والإصرار، من بعض الدوائر والدول، على التعتيم على القضية، ومحوها من الذاكرة المرئية؛ فالسينما الفلسطينية التي قامت على مبادرات فردية في ثلاثينيات القرن العشرين، واتسعت رقعة إنتاجها بعد النكبة؛ خصوصاًً في ستينيات القرن العشرين، مع تأسيس جهات إنتاجية وطنية مثل: وحدة السينما الفلسطينية، التي دشنت جماعة السينما الفلسطينية، التي انضمت بدورها إلى مركز الأبحاث الفلسطينية، لكنها توقفت عن الإنتاج، بعد إنجاز فيلم واحد بعنوان «مشاهد الاحتلال في غزة»، وعودة الوحدة إلى الإنتاج باسم «أفلام فلسطين» في محاولة للتذكير بالقضية الفلسطينية، وتصويب صورة المواطن الفلسطيني في الذهنية الغربية، التي باتت تنظر إليه بوصفه «إرهابي»، مع التأكيد على الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في استعادة وطنه المغتصب.

وقتها لم يقتصر إنتاج الأفلام الفلسطينية على المنظمات الفلسطينية، بل تجاوزها إلى دول عربية تصدت بحماسة للمهمة نفسها، فضلاً عن التجارب التي قامت على أكتاف داعمين للقضية الفلسطينية في عدد من دول العالم، لكن معدلات إنتاج الأفلام التي تعرضت للقضية الفلسطينية، وترصد أوجه النضال الفلسطيني على الجبهات السورية والأردنية واللبنانية تراجعت كثيراً في الألفية الثانية، مقارنة باللهاث الصهيوني لإنتاج أفلام تُظهر العدو بصورة «الحمل الوديع» الذي تتربص به «الذئاب الضارية»، وتعمل جاهدة على تجميل صورة «الآلة العسكرية» الإسرائيلية، وتتعمد التواجد في المهرجانات السينمائية الدولية، لضمان نجاح عملية «غسيل المخ»!

في المقابل، خفت بريق الأفلام الفلسطينية، وباستثناء فيلم «باب الشمس» (2004)، الذي شاركت عدة دول في إنتاجه، وأخرجه المصري يسري نصر الله في جزأين أولهما بعنوان «الرحيل» والثاني باسم «العودة» عن رواية للقاص والروائي والناقد والكاتب المسرحي اللبناني إلياس خوري، وفيلم «مملكة النمل»، الذي أخرجه التونسي شوقي الماجري من إنتاج التونسي نجيب عياد، وعُرض في العام الماضي من بطولة منذر رياحنة وصبا مبارك، خلت خطط شركات الإنتاج العربية من الأفلام التي تتناول، من قريب أو بعيد، القضية الفلسطينية، وكأنها تنفذ ملحقاً سرياً في «بروتوكول مشبوه» وقعت عليه أطراف وجهات عدة!

من هنا كان ترحيبي بتجربة المخرجة ساندرا ماضي في فيلمها التسجيلي الفلسطيني الأردني «ساكن»؛ خصوصاً أنها أنجزت سابقاً أفلاماً بدت مهمومة بالقضية بدرجة كبيرة؛ مثل: فيلم «قمر ١٤» (46 دقيقة)، الذي يتناول قصة بطل الملاكمة فرج درويش ابن مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين، وتصديه للقرارات التي استهدفت إقصائه بسبب انتمائه لقضيته الأم، والفيلم التسجيلي الطويل «ذاكرة مثقوبة» (62 دقيقة) الذي يقترب من تجربة مناضلين منسيين في الثورة الفلسطينية، وواقعهم المتردي الناتج من نسيان وانزواء نضال نبيل كان يوماً ملء الأسماع والأبصار، وفيلم «نهر البارد... مخيم اعتقال» (52 دقيقة) الذي يرصد واقع حياة أهالي مخيم نهر البارد في شمال لبنان، والصعوبات التي تواجههم بعد أربع سنوات من تدمير المخيم عام 2007، وأيضاً فيلم «نهر البارد- قلبي المعلق على الحائط بوتد» (72 دقيقة) الذي يعايش تجربة حية لانتفاضة أهالي مخيم نهر البارد حتى تحقيق مطالبهم، وكأنها تُبرهن بالدليل القاطع أن فلسطين ما زالت في الذاكرة.