لا يشير عنوان معرض صفوان داحول في لندن {أحلام متكررة} إلى موضوع أعماله الراهنة فحسب، بل إلى التأثير المستمر الذي أغدقته الأحلام على مسيرته الفنية والتشكيلية. في البداية، كان يعنون لوحاته باسم {حلم} وذلك على مرّ 25 عاماً، وكان يرى عملية إعادة تفسير الموضوع كتحد فني ملهم للإبداع والفن. ما يرسمه داحول ليس الأحلام بل لحظة الحلم، والأحلام تبقى في الأفق اللامرئي، يمكن لزائر المعرض أن يفسرها كما يريد أو يريد أن يحلم هو، يطابق لحظته مع مشهدية اللوحة، أو يحاول أن يتذكر اللحظة التي يتجلى فيها الحلم.

Ad

وتعتبر عالمية الأحلام أمراً مهماً لعمل الفنان، فبالإضافة إلى قدرة الحلم على أن يكون متعدد التفسيرات، في استجابة لأحلام داحول كاستجابتها لأحلام المشاهد، فأن المشاهد كذلك قادر على تكوين أحلامه الخاصة به في فهم فريد من نوعه للمعنى الذي يقصده الفنان.

والنافل أن لغة الأحلام تشغل أعمال فنانين وروائيين وشعراء وسينمائيين كثيرين في العالم، من بيكاسو الذي لديه أكثر من لوحة بعنوان {حلم}، إلى الحركة السريالية التي استندت في جزء من نظريتها إلى لغة الأحلام التي تتجاوز الواقع، وصولاً إلى نيرفال وشهرزاد في {ألف ليلة وليلة}. حتى الروايات الحديثة استند كثير من كتابها إلى الأحلام، ولا يختلف الأمر في السينما التي تعتبر في جانب من جوانبها لغة الأحلام. وداحول يختار الأحلام في لغتها السينمائية الأولى أي الأبيض والأسود أو الرمادي.

تكرار اللحظة

بالنسبة إلى داحول، كل حدث حاصل في حياتنا تكرار للحظة أخرى في الماضي، ما يشكِّل رسومات الذاكرة أو لحظات القبض على الحلم وشذراته. ومن خلال بحثه على نطاق متنوع من المواضيع، من الحب إلى الحرب، يعرض داحول في لوحاته صوراً تتكرر وتتطور في حين تبقى كما هي بشكلها الأساسي. هي لغة الذاكرة بامتياز، ويزيد وقعها حين تمتزج بلغة المنفى القسري ولغة الحرب الدائرة، تصبح الأمور كافة واضحة وشاحبة في آن، وتضيع الألوان في متاهة التذكر. وفي استعماله مجموعة ألوان أحادية في الغالب، يستخدم الفنان الأسود والرمادي في إشارة منه إلى تجاويف عميقة في المساحة. وتقدم الألوان الصامتة انعكاساً لحياته الشخصية، مرددة غياب الألوان النابضة والتي لمسها داحول حينما كان يعيش في سورية.

تصوّر اللوحات نساء وحيدات وشاردات، يتموضعن ضمن مشهد طولي، كل واحدة في لوحة خاصة. وفي كل لوحة متعاقبة، تصبح الصورة أكثر غموضاً، فتزداد حدة درجات الألوان الفاتحة تدريجاً، مذكرة ببكرة فيلم قد تعرضت لكثير من الضوء في مشاهدها الأخيرة.

تميِّز هذه الاختلافات في درجات اللون كل لوحة، ولكن مظهرها المتطابق من ناحية أخرى يشير إلى لحظة ثابتة وواحدة. وغالباً ما تحتوي لوحاته على خاصية سينمائية، فطبيعة وتاريخ تسلل الحلم في السينما أمر مهم للفنان. فقد وسّع داحول أخيراً تطبيقه الفني ليشتمل على تجربة صناعة الأفلام، منخرطاً بشكل مباشر في فكرة التطور، والوقت والتكرار من خلال تقديم عنصر زمني.

أما معرض داحول من اللوحات ذات الأحجام الضخمة والذي يعرض في  edge of Arabia فيمثل تعاوناً بين مبادرة الفن الهادف للربح مع غاليري {أيام}. بالأضافة إلى الأعمال المعروضة، يوقِّع داحول كتاباً ضخماً نشرته {أيام} عام 2009 ويتضمن دراسة لأعمال الفنان.