لسنوات كلما مرَّ عليَّ عددٌ خاص من مجلة "بنيبال" التي تصدر في لندن باللغة الإنكليزية، وتهتم بالأدب العربي الحديث، دار ببالي السؤال: متى ستنشر بنيبال عدداً عن الأدب الكويتي؟ وقد التقيت مدير تحرير بنيبال الكاتب الروائي صموئيل شمعون في نيويوك في شهر نوفمبر عام 2012، بينما كنتُ محاضراً مشاركاً ضمن برنامج الكتابة الإبداعية العالمي، التابع لجامعة "أيوا" الأميركية. وهناك فاتحته برغبتي في أن تنشر بنيبال عدداً عن الأدب في الكويت، ووجدت منه الترحيب، خاصة لقناعته بدور الكويت الثقافي الرائد والحاضر في ذاكرة الشعوب العربية.

Ad

بعد مناقشة الفكرة، توصلنا إلى اتفاق بأن يقوم "الملتقى الثقافي" بتحمل كلفة العدد، وأن يكون لهيئة تحرير بنيبال وحدها كامل الحرية في اختيار النصوص التي ستنشر. وقبل أن أودع صموئيل، قال لي بودٍ ظاهر: "يجب أن أزور الكويت لأتعرف على الأدباء، وأعيش وقع الحياة الثقافية عندكم". وعلى هذا توافقنا.

عدت إلى الكويت وسعيت لتدبير الدعم المادي الخاص بكلفة العدد، عن طريق أصدقاء من خارج الملتقى الثقافي، داعمين للملتقى، ومسكونين بفكرة إبراز الدور المهم الذي ينهض به الإبداع في تقديم الوجه الأجمل للكويت. وفعلاً جاء صموئيل شمعون إلى الكويت، وقدّم بتاريخ 16 ديسمبر 2012 أمسية في الملتقى الثقافي بحضور الصحافة الكويتية، بيّن خلالها الهدف من زيارته، والتقى عدداً كبيراً من أدباء الكويت خلال فترة إقامته التي امتدت أسبوعا، وزار المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية، وحمل معه نسخاً كثيرة من الأعمال الروائية والقصصية الكويتية، واعداً ببذل قصارى جهده وزملائه في هيئة تحرير بنيبال لأن يكون عدد الكويت عدداً مميزاً يليق بمنارة الثقافة الخليجية. وعاد يذكرني: "هيئة تحرير بنيبال وحدها ستقرأ جميع الأعمال، وتختار من بينها أكثر الأعمال إبداعاً، بما يتفق وعقلية القارئ الغربي".

لمدة ستة أشهر انغمست هيئة تحرير بنيبال في اختيار مادة عدد الكويت، قراءة وترجمة وتحريراً، وأخيراً زفَّ لي إيميل من رئيسة تحرير بنيبال الأستاذة مارغريت أوبنك صدور العدد، حاملاً عنواناً رئيسياً هو "السرد في الكويت" ومتضمناً (18) نصاً إبداعياً في القصة والرواية والنقد، إضافة إلى دراسات تاريخية عن "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب"، وعن النشر في الكويت، وعن الجوائز الأدبية.

قدم العدد كتّاباً قصاصين وروائيين ونقّاداً من مختلف الأعمار والتوجهات، ولاقى قبولاً وترحيباً منقطع النظير لدى القارئ الغربي، ولدى الدوائر العلمية المهتمة من جامعات ومعاهد متخصصة تمتد من اليابان وحتى كند وأميركا مروراً بأوروبا، وقامت مجلة "London Review Of Books" التي تُعد أهم مجلة أدبية متخصصة في لندن، بعرض إعلان عن العدد، وبما يُعدُّ إنجازاً غير مسبوق في تاريخ الأدب في الكويت.

إن عصرنا ما عاد ينقل إلا أخبار العنف والقتل والموت، ووحده الإبداع صار جسراً يربط بين اهتمامات البشر الإنسانية، ووحدها الترجمة هي السبيل لذلك. لذا فإن انتشار عدد عن "السرد في الكويت" في أوروبا وأميركا ودول أخرى، ليسهم إسهاماً كبيراً في إيصال صوت المبدع الكويتي الى دوائر الاهتمام، ويؤكد على مدِّ جسور من الوصل بين المبدع الكويتي وزميله الآخر في أي بقعة من المعمورة.

بقى عليَّ الإشارة إلى أمر واحد، وهو اعتقاد بعض الزملاء الأعزاء من الكتّاب بأنني أنا شخصياً أو الملتقى الثقافي من قام بترتيب مواد العدد أو فرض اسم دون غيره، بما يجافي الحقيقة، فليس لي ولا للملتقى الثقافي أي دخل في المواد المنشورة، ووحدها هيئة تحرير مجلة بنيبال من قام باختيار المواد، ولدي أكثر من إيميل يفيد بمسؤوليتها وحدها تجاه النصوص المنشورة.