رفيق الصبان وتوفيق صالح... مبدعان يرحلان

نشر في 23-08-2013 | 00:01
آخر تحديث 23-08-2013 | 00:01
في أقل من 24 ساعة رحل عن عالمنا اثنان من مبدعي السينما العربية بعدما أثريا المكتبة السينمائية بأعمال ستظل محفورة في الذاكرة، هما الناقد والسيناريست رفيق الصبان الذي وافته المنية عن عمر يناهز 82 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، والمخرج توفيق صالح عن 87 عاماً.
رفيق الصبان الملقّب بعاشق السينما، بدأ مسيرته في المسرح السوري، حيث أخرج مسرحيات سورية، وفي أوائل السبعينيات انتقل إلى مصر،  فكتب فيلم «زائر الفجر» (1972) الذي أثار ضجة عند طرحه في صالات السينما، ما اضطر السلطات آنذاك إلى منعه. استمرّت بعد ذلك مسيرته السينمائية الطويلة التي تضمنت حوالى 25 فيلماً و16 مسلسلاً، ومن أبرز الأفلام التي كتبها: «الإخوة الأعداء»، «قطة على نار»، «ليلة ساخنة»، وآخرها «الباحثات عن الحرية» مع المخرجة إيناس الدغيدي.

عمل الصبان أستاذًا لمادة السيناريو في المعهد العالي للسينما، واشتهر بكتاباته النقدية المهمة، ويعدّ أحد أهم النقاد في العالم العربي.

أما توفيق صالح فلقب

بـ {سندباد السينما العربية} لتنقّله بين  البلدان العربية، ويعدّ أحد رواد السينما الواقعية المصرية على رغم قلة أفلامه، إذ قدم سبعة أفلام روائية طويلة وسبعة أفلام قصيرة، لعل أشهرها: {درب المهابيل} (1955) المأخوذ عن قصة الأديب المصري نجيب محفوظ، {صراع الأبطال} (1962)، {المتمردون} (1966) عن قصة الكاتب صلاح حافظ الذي قوبل بمعارضة حكومية وأجبر على تغيير نهايته بالكامل، ولم يعرض إلا بعد إنتاجه بسنتين.

في المقابل، أجيز عرض فيلمه {يوميات نائب في الأرياف} (1968) المأخوذ عن قصة للأديب توفيق الحكيم بالاسم نفسه من دون حذف أي مشهد بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر، على رغم طلب أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي حذف 16 مشهداً منه.

بعد ذلك غادر توفيق صالح مصر هرباً من القيود المفروضة على صناعة السينما، وفي عام 1972 أخرج فيلم {المخدوعون} في سورية، من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، عن رواية غسان  كنفاني {رجال في الشمس} ويدور حول تبعات نكبة 1948.

انتقل عام 1973 إلى العراق  لتدريس السينما، وقدم آخر أفلامه {الأيام  الطويلة} (1980)، قبل أن يعود إلى مصر (1984) ويكتفي بعمله كأستاذ غير متفرغ لمادة الإخراج في المعهد العالي للسينما في القاهرة.

شهادات وفاء

عن رفيق الصبان قال أيمن بهجت قمر إنه أحد أكثر النقاد الذين ساندوه في بداياته في كتابة السيناريو، من خلال كتاباته النقدية المشجعة له، على رغم عدم معرفته به أو لقائه به شخصياً، مترحِّماً على هذا السيناريست الكبير والناقد المخضرم.

أعرب الناقد السينمائي وليد سيف بدوره عن حزنه لرحيل صديقه وأستاذه رفيق الصبان، واصفاً إياه بعميد النقاد السينمائيين وصاحب تاريخ في مجال السيناريو... وله أيادٍ بيضاء على هواة السينما في مصر وتلامذتها وصانعيها، ولا يبخل بالعطاء بعلمه أو معلوماته أو مكتبته السينمائية العظيمة، مشيراً إلى أن ثقافته السينمائية عظيمة وشاملة وموسوعية، وهو بالنسبة إليه أستاذ وحليف وصديق، لم يتأخر عن معاونته أو إسداء المشورة إليه في أي نشاط سينمائي، سواء في فترة رئاسته قصر السينما أو مهرجان الإسكندرية أو سلسلة آفاق السينما. وآخر ما طبع للصبان كتاب {السينما كما رأيتها} الذي تضمّن خلاصة خبرة الرجل واطلاعه على السينما العالمية.

عن توفيق صالح قال وليد سيف إنه أحد فرسان السينما المصرية الذين ظهروا في بداية عصرها الذهبي في مطلع الخمسينيات وأثروا الساحة السينمائية، مشيراً إلى أن جرأة توفيق صالح ولغته الفنية المتميزة حفزتا كثيرين للخروج عن قوالب الفيلم المصري المعتادة، بداية من رائعته {درب المهابيل} وحتى تحفته {المخدوعون}...

أضاف: {توقف عطاء توفيق صالح الإبداعي منذ زمن طويل، وبعد تجربة قاسية في مصر وسورية والعراق، لكنه تابع مشواره الفني كأستاذ للسينما وعضو ورئيس للجان فنية وتحكيمية، سعى خلالها إلى الانتصار لفن السينما وفق رؤيته ومفهومه ومن دون خضوع أو ادعاء}.

الناقد طارق الشناوي تحدث عن رفيق الصبان وقال: {على رغم أن جواز سفره يشير إلى أنه سوري الهوية، لكن عشقه لمصر، بكل ما فيها، يؤكد مصريته، فهو مصري الهوى وعميد النقاد العرب، بدأ حياته بالمسرح ليتحول بعدها إلى ناقد وكاتب سينمائي كبير، ويصبح علامة فارقة في النقد وكتابة السيناريو، فاسمه على الفيلم يعني علامة للجودة}...

أوضح الشناوي أنه كان يلتقي الصبان في {مهرجان كان} على مدى أكثر من 15 عاماً، {لكن في السنوات الخمس الأخيرة لم تكن لياقته الصحية تسمح له بالذهاب، باعتبار أن  المهرجان يتطلب سرعة في الحركة من دار عرض إلى أخرى، فيما الإنهاك الجسدي بلغ مداه معه، لكنه لم يتوقف لحظة عن الاهتمام بالسينما}...

 أضاف الشناوي: {لا أتصور أن في عالمنا العربي أحداً يملك هذا الأرشيف الضخم من الأشرطة والأقراص المدمجة للأفلام العالمية والعربية، فمكتبته السينمائية والأدبية تحتوي على عيون الكتب والمراجع.

أخيراً أكد المخرج محمد خان أن السينما فقدت الكثير برحيل عاشق السينما رفيق الصبان، مشيراً إلى أن نقده وكتاباته عن الأفلام عاطفية تكاد تكون شاعرية أحياناً، سواء انتقدها أو امتدحها، وقد جمعتهما ندوات ومهرجانات وتبادلا الحديث حول السينما، مشيراً إلى أن حبه للسينما كان مُعدياً لمن حوله ومن ثم سيفتقده تلامذته وزملاؤه ومشاركوه.

أما المخرج أحمد عواض فوصف توفيق صالح بأنه علامة بارزة في تاريخ السينما العربية، على رغم أعماله القليلة في السينما، وأنه  أحد رواد السينما الواقعية.

back to top