يُحسب لإدارة {مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط} إصرارها على إقامة الدورة التاسعة والعشرين في موعدها (9- 13 نوفمبر 2013) رغم الأحوال السياسية الصعبة التي تعيشها مصر، واتجاه غالبية إدارات المهرجانات الأخرى، على رأسها {مهرجان القاهرة السينمائي الدولي}، إلى اتخاذ قرار بإلغاء فعالياتها بحجة أن {الظرف الراهن غير مناسب}!

Ad

غير أن المراقب للمهرجان، طوال دوراته السابقة، يرصد تحولاً جذرياً في دورة هذا العام تجاه ما يجري في «سورية»؛ ففي حين انحازت إدارة دورة المهرجان الماضية برئاسة د. وليد سيف إلى «الثورة السورية»، واختارتها «ضيف شرف»، ونظمت تظاهرة لأفلام من سمتهم «داعمي الثورة من الفنانين»، ووجهت الدعوة إلى «مناضلي المهجر» لحضور ندوة «التضامن مع كفاح الشعب السوري»، أعلنت الإدارة الجديدة للمهرجان، برئاسة الكاتب الصحافي أمير أباظة، في مفاجأة غير متوقعة، أن الفيلم السوري «مريم» من إخراج باسل الخطيب وإنتاج «المؤسسة العامة للسينما»، يمثل سورية في مسابقة المهرجان الدولية.

انقلاب كبير في «الرؤية» و{الاستراتيجية»؛ خصوصاً أن أباظة، حسبما أكد لي سيف سابقاً، هو صاحب اقتراح اختيار الثورة السورية كضيف شرف للدورة السابقة، وأبدى حماسة منقطعة النظير لتوجيه دعوة إلى «مناضلي المهجر»، والاحتفاء بهم في الندوة التي أدارها بنفسه، لكن شيئاً من هذا لا يعفي سيف من المسؤولية؛ فهو الذي أكد للصحف يومها أن اختيار سورية كضيف شرف للمهرجان «يأتي متسقاً مع موقف مدينة الإسكندرية التي أثبت شعبها في المواقف كافة أنه شعب ثائر حر لا يقبل التفريط بكرامته ولا ثورته»!

في تبرير ما جرى قيل آنذاك إن الفن لا ينفصل عن السياسة، والفن الحقيقي هو الذي يعبر عن نبض الشعوب وليس الأنظمة، لكنني كنت على قناعة، وكتبت في هذه الزاوية، بتاريخ 28 سبتمبر من العام الماضي، تحت عنوان «النضال في وقت الفراغ»، أن المهرجان «يزج بنفسه في مواقف سياسية لا قبل له بها، وأن المهرجانات العربية مُطالبة بالدعوة إلى لم الشمل وتوحيد الصف ونبذ الفرقة بين الأشقاء، بدلاً من الانضواء تحت عباءة الأنظمة السياسية أو الأحزاب الدينية، ومن ثم الاستجابة، ربما من دون أن تدري، للمؤامرات والمُخططات الأجنبية التي تستهدف أمتنا العربية... ليست النية خالصة لوجه الله، وثمة متاجرة وراء التفكير في تنظيم تظاهرة «دعم الثورة السورية» على هامش الدورة الثامنة والعشرين»، كذلك أشرت إلى المكالمة الهاتفية التي أبلغني رئيس المهرجان خلالها، بما تنوي إدارة المهرجان الإقدام عليه، وسجلت اعتراضي على الفكرة قبل أن يباغتني بأنها أصبحت في حيز التنفيذ، ولا مجال للتراجع!

لا ينبغي أن يُفهم من حديثي هذا أنني اعترض على مشاركة فيلم «مريم»، بل يمكن القول إن العكس هو الصحيح، لأن اختياره لتمثيل سورية في المسابقة الرسمية لمهرجان الإسكندرية، هو، برأيي، بمثابة تصحيح للخطأ الفادح الذي ارتكبته إدارة المهرجان في الدورة الماضية، ومن بعدها إدارة «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» التي ارتكبت الخطأ نفسه، عندما اتخذت قراراً باستبعاد الفيلم السوري «العاشق» إخراج عبد اللطيف عبد الحميد من المشاركة في المسابقة الدولية ضمن الدورة 35 التي أقيمت في نوفمبر من العام الماضي، كذلك مسابقة الأفلام العربية، نتيجة غياب الرؤية السياسية الناضجة لدى المدير الفني للدورة ماريان خوري، وبسبب وشاية مغرضة تفيد بأن «المخرج عبد اللطيف عبد الحميد يناهض «الثورة السورية»، ويتبنى توجهات سياسية، داعمة ومساندة للنظام السوري تحت حكم بشار»، بينما تزعّم «ناقد» حملة تحريض ضد مشاركة الفيلم في المهرجان، بحجة أنه «من إنتاج مؤسسة السينما السورية» التي وصفها بأنها «واحدة من أذرع النظام السوري»، ووصف الفيلم بأنه «لا يتطرق إلى الثورة والشهداء»، وكأن المطلوب من المخرجين السوريين جميعاً أن يبادروا إلى صنع أفلام عن «الثورة» مهما اختلفت «أيديولوجياتهم»، وتباينت قناعاتهم، حيال ما يحدث، وتأرجح بعضهم، وهذا حقه، بين ما إذا كانت «ثورة» بالفعل أم «انتفاضة» أم أن لها توصيفاً آخر !

أجدد ترحيبي بمشاركة الفيلم السوري «مريم»، ومخرجه باسل الخطيب، في الدورة التاسعة والعشرين لـ «مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط»، في أول محطة له بعد فوزه بالجائزة الكبرى في مهرجان «وهران» للفيلم العربي، مناصفة مع الفيلم المصري «هرج ومرج» إخراج نادين خان.

كذلك أسجل سعادتي بالأفلام العربية المشاركة في المسابقة الدولية: «زبانا» للمخرج الجزائري سعيد ولد خليفة، «السراب الأخير» للمخرج التونسي نضال شطا الذي سنتوقف عنده لاحقاً، مثلما فعلنا مع فيلم «يا خيل الله» للمخرج المغربي نبيل عيوش الذي يُشارك في المسابقة، ونوهنا إليه في مقال بعنوان «قنابل بشرية موقوتة»!