القضية الرئيسية التي يجب أن تكون لها الأولوية عربياً ودولياً هي قضية اللاجئين السوريين المتزايدة أعدادهم يومياً وبخاصة في اتجاه الأردن والذين من المنتظر، وهذه حقيقة باتت متوقعة في ضوء عمليات التدمير التي باتت تشمل سورية كلها، أن تصل أعدادهم إلى الملايين، إذْ لا أمل بالتوصل إلى أي من الحلول السياسية التي يجري الحديث عنها، وإذْ لا أمل بالانتصار الحاسم لأيٍّ من طرفي الصراع في المدى المنظور.

Ad

لا يجوز الاستمرار في كل هذا الصمت المريب لا عربياً ولا دولياً بينما تتفاقم هذه المسألة يوماً بعد يوم وفي كل لحظة وبينما لم يعد الأردن، الدولة التي تتحمل العبء الأكبر من هذا اللجوء، يستطيع الاستمرار في تحمل أعباءٍ أمنية متصاعدة، وحيث كل المؤشرات تدل على أنه قد تأتي لحظة، وهي باتت قريبة ومتوقعة، أن يجد على حدوده أكثر من مليون لاجئ دفعة واحدة تطاردهم قذائف مدفعية نظام "الممانعة والمقاومة" وليس بإمكانه إلا فتح أبوابه أمامهم.

لقد أصبح الأردن مهدداً بالفعل، وهو تهديد كان أعلنه نظام بشار الأسد مبكراً، ولذلك وبما أن الأمة العربية، بدل أن تكون أمة واحدة، أصبحت أمة لاجئة في وطنها فإنه يجب عدم الصمت ويجب أن يكون هناك تحركٌ عاجل أردني-تركي على الأقل لحمل مجلس الأمن الدولي، الذي أصابته المواقف الروسية التي لا يجوز استمرار سكوت العرب عنها بالشلل، على عقد اجتماعٍ لمعالجة هذه الأزمة، أي أزمة اللاجئين السوريين، والمطلوب هنا ليس معلبات معظمها مصابة بالفساد ولا خيماً ستمزقها رياح الصحراء حتى قبل ارتفاع أعمدتها وإنما قرارات سياسية حاسمة وملزمة فهذه المشكلة وبخاصة بالنسبة للدولة الأردنية وللشعب الأردني غدت لا تحتمل الانتظار، فالأمور تجاوزت كل الحدود ولم يعد بإمكان هذه الدولة ذات الإمكانيات الشحيحة الاحتمال أكثر كثيراً مما احتملته.

هناك مثل ربما لا يعرفه الأميركيون والأوروبيون وبعض العرب أيضاً، أو أنهم يعرفونه ولكنهم لا يريدون أن يذكروه أو يتذكروه، يقول :"إنَّ من يأْكل العصيَّ ليس مثل الذي يعدها" وحقيقة أنَّ الأردنيين الذين "يأكلون" العصيَّ والذين يتعرضون لأكثر الحروب نذالة وخطورة لم تعد تهمهم بيانات المساندة "الأخوية"! والجميلة عن بعد ولم يعد يهمهم إرسال المزيد من الخيام والمعلبات الفاسدة. لقد أصبح الأردن يواجه خطراً أمنياً حقيقياً لأن انتظار مليون لاجئ سوري وربما أربعة ملايين وأكثر دفعة واحدة بات وارداً وفي أيِّ لحظة، وهذه أرقام باتت متوقعة، وهي أرقام لا تستطيع حتى الولايات المتحدة لا استيعابها ولا السيطرة عليها وتحديداً من الناحية الأمنية.

إنه لا يجوز الاستمرار بكل هذا الصمت المريب، وقد أصبح الأردن بانتظار كارثة فعلية وفي أي لحظة، وقد ثبت أن هذا النظام الجاثم على صدر سورية منذ أكثر من أربعين عاماً لم يعد يهمه لا الشعب السوري ولا "الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة" ولا دول الجوار الشقيقة والصديقة، بل يهمه استمراره كنظام عائلي طائفي حتى النخاع، والدليل أنه قد واصل على مدى نحو عامين عمليات ترحيل وتهجير السوريين من وطنهم ومن مدنهم وقراهم تحت قصف المدافع والممارسات اللاإنسانية واللاأخلاقية لعصابات "شبيحته" الطائفيين بمساندة ميليشيات حزب الله وفيلق القدس الإيراني، وكل هذا تنفيذاً لتهديداته بنشر الفوضى في المنطقة وتصدير العنف إلى الدول المجاورة.

إن الأردن لم يعد يستطيع الاحتمال بعد أن بات مهدداً بأخطار فعلية وحقيقية في ظل توقع تدفق، وفي أي لحظة، مليون وأكثر من اللاجئين الأشقاء، وهذا يتطلب أولاً عدم الاستمرار في هذا الصمت المريب، وثانياً الدعوة إلى قمة عربية عاجلة وبمن سيحضر كي يتحمل العرب مسؤولياتهم الحقيقية، وثالثاً الضغط فعلياً لعقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي لمعالجة مشكلة اللاجئين السوريين واتخاذ موقف عاجل ليس بالكلام فقط وإنما بالأفعال، وبغض النظر عن الموقف المخجل بل والمعادي الذي تتخذه موسكو، وهذه تجربة "كوسوفو" لاتزال ماثلة للعيان... إنه عندما يقول نظام بشار الأسد إنه سيغرق المنطقة بالفوضى وإنه سيُصدِّر العنف إلى الدول المجاورة، فإن هذا يشكل مخاطر أمنية حقيقية حتى على أوروبا نفسها ربما أكثر حتى من المخاطر التي شكلتها الأزمة البلقانية على الأوروبيين وعلى دول حلف شمالي الأطلسي الذي تعتبر تركيا ركيزة من ركائزه الأساسية.