أعتقد أن من المبكر جداً الاندفاع للقول إن مشكلة المرور قد حُلّت بقدوم اللواء عبدالفتاح العلي الوكيل المساعد الجديد لشؤون المرور، لأسباب عدة أهمها أن المشكلة كبيرة ومتشعبة ومعقدة جداً، ولا يمكن حلها أبداً في هذا الوقت القياسي.

Ad

صحيح أن اللواء العلي، كما قيل وكتب عنه، من الجادين والمخلصين في عملهم بناء على سيرته السابقة في مواقع مختلفة من وزارة الداخلية، ولكن أعتقد أن الحكمة تقتضي عدم الاستعجال في إطلاق حكم نهائي على ما ستنتهي إليه المشكلة المرورية الصعبة والثقيلة في هذا الوقت القصير.

نعم، نشد على يد الرجل ونحييه، ولكن لنتفاءل بحكمة وحذر، فلا نرفع سقف الأماني عالياً جداً حتى لا تسقط من شاهق كما سقطت عشرات الأماني التي علقناها على أداء المسؤولين الجدد الذين كانوا قد جاؤوا، ومن ثم ذهبوا في مختلف القطاعات الحكومية.

لست أقول هذا الكلام كي أغرد خارج السرب أو لأسبح عكس التيار الذي هلّل وكبر لما تمت تسميته بـ"ظاهرة عبدالفتاح العلي"، ونُسج حولها الكثير من القصص والحكايات التي اختلط فيها الصدق بالزيف، ونُشر عنها عشرات المقالات والتدوينات و"الهاشتاقات" والتغريدات التي تنوعت وترنحت ما بين الجد والهزل، إنما أقول ذلك كي أضع حكمي في نصابه السليم، وكي يمكن لنا أن نتابع التجربة بعين منصفة تستطيع أن تخرج بدلالات ذات قيمة على سبيل الاستفادة منها لاحقاً، ربما لإعادة تطبيقها في قطاعات مريضة أخرى في الدولة، وما أكثرها.

ومن الموضوعية أيضا، وبالرغم من التحية التي نوجهها قطعا لنشاط اللواء عبدالفتاح العلي المروري الإيجابي ومؤازرتنا له على طول الخط، مع التحفظ طبعاً على أي إجراءات ارتجالية حماسية قد تخرج عن إطار القانون، أن نقول إن الزحمة الأقل التي يتحدث عنها البعض، وهي التي تزامنت مع توليه هذا المنصب ليس مردها للإجراءات الحازمة التي قام بها، فهذا لا يعقل، بل هي راجعة وبكل بساطة لأن المدارس قد أغلقت أبوابها، كما أن الزحمة المرورية في العموم تحتاج معالجات كثيرة على مستويات مختلفة، ولن تختفي في غضون شهرين أو ثلاثة ولو جرى إصدار آلاف المخالفات المرورية أو تم حجز مئات السيارات!

اللواء عبدالفتاح العلي مطالب في موازاة نشاطه الإيجابي المحموم لضبط المشكلة المرورية، بل قبل ذلك، أن يوجه نظره إلى الداخل، وهذه هي الفكرة الأهم بالنسبة إلي في سائر هذه السطور. كثير من رجال شرطة المرور عندنا، ولن أقول أغلبهم بالرغم من أن نفسي شاغبتني لذلك، هم جزء من المشكلة المرورية عبر سلوكياتهم وتصرفاتهم غير السوية التي لا يقدمون من خلالها النموذج المروري الأمني الذي يمكن أن يفرض مهابته ويدعو لاحترامه واتباع إرشاداته وعدم مخالفتها. ولطالما شاهدنا وبشكل متكرر هذه الممارسات والسلوكيات غير السوية والتي كثيراً ما كانت تصل إلى حد تجاوز قوانين المرور نفسها وكسرها، وأنا واثق أن اللواء العلي يدرك المراد هنا.

على اللواء عبدالفتاح العلي، وهذا سيسجل نجاحاً كبيراً في رصيده إن هو تم فعلا، أن يضبط وينظف البيت الداخلي لإدارة المرور أولا وقبل كل شيء، وحينها ستسهل العملية برمتها من بعد ذلك.

تمنياتي ودعواتي الصادقة إلى اللواء العلي للنجاح في مهمته الشاقة، وأسأل الله أن يسدد خطاه ويوفقه.