أليس ما يجري على الحدود السورية - العراقية عند منطقة "اليعربية"، وما يجري على الحدود السورية-اللبنانية قبالة حمص، يعني أنَّ الصراع الذي بقيت تشهده سورية منذ نحو عامين قد اتخذ الطابع الطائفي؟ ثم أليس تدخُّل حزب الله اللبناني في الشأن الداخلي السوري، بهذه الصورة الفجَّة، وتدخل نوري المالكي، الموعز به من الوليِّ الفقيه في طهران، يعززان قناعة القائلين إنَّ هذه المنطقة مقبلة على حروب طائفية مدمّرة، وبخاصة إذا لم يحسم الوضع السوري بسرعة، وإذا بقيت الأمور في هذا البلد، الذي تحول إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية، مفتوحة على احتمالات مرعبة كثيرة؟

Ad

لا يجوز أن يبقى الحديث عن تفاقم الطائفية بالنسبة إلى الأزمة السورية - التي كان يمكن حلها وتطويقها قبل أن تصل إلى ما وصلت إليه لو لم يركب نظام بشار الأسد رأسه، ويلجأ إلى حلول العنف والقوة العسكرية الغاشمة منذ اللحظة الأولى - يتخذ هذه الأساليب المُواربة، فالشمس لا يمكن تغطيتها بغربال، كما يقال، ونفْيُ الطابع الطائفي عمَّا يجري في هذا البلد العربي هو إخفاءٌ خطير للحقائق، وهو كتجنب مصاب "الإيدز" الاعتراف بمرضه والقول إن كل ما يعانيه هو مجرد زكام عابر.

ماذا يعني أنْ يصف مسؤول إيراني كبير، يُعتبر أحد أقرب المقربين من مرشد الثورة الولي الفقيه علي خامنئي، سورية، الدولة التي كانت عاصمتها دمشق عاصمة لأول إمبراطورية عربية فعلية، بأنها المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثون؟ وماذا يعني أنْ تكون مشاركة فيلق القدس التابع لحراس الثورة في القتال والمواجهات إلى جانب قوات بشار الأسد مشاركة رئيسية، منذ اللحظة الأولى؟ ثم ماذا يعني احتلال حزب الله اللبناني لعدد من القرى السورية بحجة أن أهلها من الطائفة الشيعية؟ وماذا تعني أيضاً مشاركة هذا الحزب المذهبي والطائفي في الحملة العسكرية النظامية التي تتعرض لها مدينة حمص التي تعتبر بموقعها الجغرافي حلقة مركزية في حال تطورت الأمور ولجأ هذا النظام السوري إلى خيار الدويلة العلوية الطائفية؟!

وماذا يعني أيضاً تجاوز نوري المالكي لكل ما كان قد اتهم به نظام بشار الأسد، من إرسال إرهابيين للتفجير في بغداد ومن دعم لعمليات إرهابيي "القاعدة" في العراق، والبدء بالحديث عما يجري في سورية بلغة مذهبية وطائفية وذلك في الوقت الذي يشن فيه رئيس الوزراء العراقي كل هذه الحرب التي يشنها على الرموز "السنية" ويلصق تهمة الإرهاب بها كلها دون استثناء؟!

عندما يقول نوري المالكي إن سقوط بشار الأسد سيؤدي إلى حرب طائفية في العراق وفي لبنان، إضافة إلى الحرب الطائفية المحتدمة في سورية، وأنه، أيْ سقوط بشار الأسد، سيؤدي أيضاً إلى انقسام في الأردن، وهذا غير صحيح ومستبعد ومن غير الممكن أن يحصل إطلاقاً... ألا يعني إشعال جبهة الحدود السورية-العراقية أنَّ هذه الحرب الطائفية قد بدأت بالفعل، وأن الذي بدأها هو إيران أولاً، وحزب الله ثانياً، ورئيس الوزراء العراقي ثالثاً؟ وقبل هؤلاء جميعاً بدأ هذا النظام (السوري) مذهبياً وطائفياً منذ انقلاب "الحركة التصحيحية" عام 1970، ومنذ ارتباط حافظ الأسد بحوزة "قم" والولي الفقيه في طهران، بل منذ إصدار الإمام موسى الصدر تلك الفتوى التي أصدرها في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وقال فيها إن الطائفة العلوية جزء من المذهب الجعفري الإثني عشري، الذي يحكم في إيران منذ عام 1979؟

لا توجد مرارة أكثر من الاضطرار لقول هذه الحقيقة، لكن ما العمل وإيران "الولي الفقيه" تقوم بكل هذا الذي تقوم به ونوري المالكي، الذي من المفترض أنه رئيس وزراء الدولة العراقية بكل مكوناتها العرقية والمذهبية، يبادر إلى الاصطفاف إلى جانب بشار الأسد، بدوافع طائفية واضحة كل الوضوح، وكل هذا وحزب الله يتخلى عن "تقيّتهِ" ويدخل المعركة ضد الشعب السوري وثورته وجيشه الحر على رؤوس الأشهاد وعلى عينك يا تاجر؟!