سياسات بوش لمحاربة الإيدز تهمّش أوباما في إفريقيا

نشر في 05-07-2013
آخر تحديث 05-07-2013 | 00:01
أعلنت إدارة أوباما السنة الماضية موازنة خُفّضَت فيها مساعدات مكافحة مرض الإيدز عالمياً بنحو 214 مليون دولار، وكانت هذه المرة الأولى التي يخفض فيها رئيس أميركي التزام واشنطن بمكافحة مرض الإيدز منذ تفشيه في ثمانينيات القرن الماضي خلال عهد ريغان.
 واشنطن بوست عندما توقف موكب الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الأحد الماضي أمام مركزٍ عام للرعاية الصحية يديره كبير الأساقفة ديزموند توتو في مدينة كيب تاون الساحلية الجميلة، كان الناس يحملون في الشوارع لافتات كُتب عليها: "شكراً لخطة طوارئ الرئيس لمحاربة الإيدز". كانت هذه إشارة إلى خطة الطوارئ التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن لمكافحة مرض الإيدز.

لطالما حظي أوباما بالثناء لأنه نأى بنفسه عن سياسات بوش، خصوصاً في العراق وأفغانستان، ولكن في أرجاء القارة الإفريقية المختلفة، يتمنى أفارقة كثر لو أن أوباما كان أقرب إلى بوش في سياساته الاجتماعية والصحية، خصوصاً مكافحة فيروس (HIV) المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة المعروف بالإيدز (AIDS).

أنفق بوش مليارات الدولارات في جهود حثيثة للحد من انتشار هذا المرض الذي كان يهدد سابقاً بالقضاء على جيل من الأفارقة الشباب. نتيجة لذلك، لاحق طيف بوش أوباما طوال زيارته جنوب إفريقيا. يوم الاثنين الماضي، سافر أوباما إلى تنزانيا، حيث التقى بوش شخصياً، وستشارك زوجة بوش، لورا، في قمة زوجات حكام الدول، التي ستقيمها منظمة جورج بوش الابن، شأنها في ذلك شأن ميشيل أوباما.

بدا نجاح برنامج بوش بالنسبة إلى أوباما غريباً بعض الشيء، إلا أن الرئيس الأميركي الحالي حرص على الثناء على سلفه حتى خلال سعيه إلى الترويج لخطط إدارته الخاصة بشأن مشاريع جديدة تستند إلى استثمارات من شركات أميركية. فأثناء رحلته من جنوب إفريقيا إلى السنغال، أخبر أوباما المراسلين أن بوش "يستحق الكثير من التقدير" في الحرب ضد فيروس نفص المناعة المكتسبة لدى الإنسان (الإيدز). وأقر بأن برنامجه أنقذ على الأرجح ملايين الأرواح.

كان نجاح هذا البرنامج مذهلاً في جنوب إفريقيا، التي اعتُبرت سابقاً إحدى أشد دول العالم تأثراً بهذا المرض. فقد قتل مرض الإيدز في هذا البلد نحو 2.3 مليون شخص، وأدى إلى تيتم مليون ولد، وفق أرقام الأمم المتحدة. أما اليوم، فتراجعت معدلات العدوى بنسبة 30%، ويتناول نحو مليوني شخص أدوية مضادة للفيروسات.

لكن الناشطين في مجال مكافحة هذا المرض أشاروا أخيراً إلى أن اقتطاعات إدارة أوباما في الموازنة سلبت خطة الطوارئ هذه مئات ملايين الدولارات، وتهدد اليوم بتقويض تقدّم استغرق سنوات في هذه الحرب ضد مرض الإيدز، فقد أعلنت إدارة أوباما السنة الماضية موازنة خُفّضَت فيها مساعدات مكافحة مرض الإيدز عالمياً بنحو 214 مليون دولار، وكانت هذه المرة الأولى التي يخفض فيها رئيس أميركي التزام الولايات المتحدة بمكافحة مرض الإيدز منذ تفشيه منذ ثمانينيات القرن الماضي خلال عهد إدارة ريغان.

منذ عام 2010، تراجع تمويل "خطة طوارئ الرئيس لمحاربة الإيدز" بنسبة 12% ليصل إلى أدنى مستوياته منذ عام 2007، حسبما كتب كريس كولنز، مدير سياسة الصحة العامة في منظمة أبحاث الإيدز، في إحدى افتتاحيات شهر أبريل في موقع Huffington Post على شبكة الإنترنت. كذلك اقترحت إدارة أوباما تخفيضاً إضافياً بنحو 50 مليون دولار لعام 2014.

تذكر هيلاري ثولار، مديرة إقليمية في منظمة الرعاية الصحية لمكافحة الإيدز (مجموعة لا تتوخى الربح مقرها في لوس أنجليس وتعمل في 26 بلداً، مقدمةً الرعاية الصحية لمن يعانون الإيدز): "بما أن إفريقيا تواجه تحديات عدة، وبما أن محاربة الإيدز تُعتبر من أكبر هذه التحديات، توقعنا حقاً أن يتابع الرئيس أوباما العمل من حيث توقف الرئيس بوش. لكن آمالنا خابت. بدأ أوباما يتخلى عن المعركة ضد الإيدز، وبالتالي عن المعركة من أجل إنقاذ إفريقيا".

تعهدت إدارة أوباما علانية بمحاربة مرض الإيدز، ففي شهر نوفمبر عام 2011، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري رودهام كلينتون، أن التوصل إلى جيل خالٍ من مرض الإيدز كان من "أولويات السياسة الأميركية".

لكن بعض مسؤولي الإدارة يستاؤون في الأحاديث الخاصة من مقارنة أوباما ببوش، وقد ألمح أوباما إلى هذا الاستياء خلال حواره مع عدد من المراسلين على متن الطائرة الرئاسية. لا شك أن قيود الإنفاق عقب الكساد الكبير، الذي اجتاح العالم خلال الفترة التي تسلم فيها أوباما زمام السلطة عام 2009، حدّت من قدرة الإدارة على محاكاة مبادرة المساعدة العالمية الضخمة التي أطلقها بوش. قال الرئيس أوباما يوم الأحد الماضي خلال دردشة مع المراسلين: "نظراً إلى قيود الموازنة، يصعب علينا الحصول على كمية المال التي تمكن الرئيس بوش من إقناع مجلس النواب الجمهوري بتخصيصها لبرنامج مساعدات أجنبية جديد ضخم".

أفاد مسؤولو البيت الأبيض أن هدف رحلة الرئيس أوباما هذه التعامل مع إفريقيا كشريك ندّ، لا كطرف في علاقة بين واهب ومتلقٍّ، وأن خطط الإدارة بشأن "خطة طوارئ الرئيس لمحاربة الايدز" تتلاءم تماماً مع هذا النموذج الجديد. في "مركز توتو"، صّرح أوباما يوم الأحد الماضي بأن هدف السياسة الأميركية في عهده زيادة قدرات جنوب إفريقيا ودول أخرى كي تتمكن من إدارة برامجها الخاصة لمكافحة هذا المرض، بدل أن تعتمد إلى حدّ كبير على التمويل الأميركي.

قال أوباما: "يشكّل هذا المركز مثالاً مميزاً لعملية الانتقال هذه. وبفضل العمل الكبير الذي يُنجَز على الأرض، وبفضل الشراكة بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا، أمامنا فرصة التوصل إلى جيل خالٍ من مرض الإيدز والحرص على أن الجميع في عائلتنا البشرية يستطيعون التمتع بحياتهم وتأسيس عائلة".

يشير مسؤولو الإدارة إلى أن خفض تمويل خطة الطوارئ هذه قابله زيادة في تمويل برامج متعددة الأطراف تكافح عدداً من الأمراض، بما فيها الإيدز، لكن الناشطين في هذا المجال يصرون على أن هذه التغييرات تشكّل، رغم ذلك، تراجعاً عاماً في التمويل الذي تخصصه الولايات المتحدة لمكافحة وباء الإيدز العالمي.

يذكر الناشطون في جنوب إفريقيا أن خفض التمويل الأميركي أدى إلى إقفال عيادة لمرضى الإيدز في مستشفى ماكورد قرب مدينة ديربان في مطلع هذه السنة. كانت هذه العيادة تجري فحوص فيروس نقص المناعة المكتسبة لدى البشر وتقدم علاجات مضادة للفيروسات، لكن معظم مرضاها الـ4 آلاف أُحيلوا إلى عيادات أخرى تديرها الدولة، حيث تتراجع فرص نجاح علاجهم. توضح ثولار: "نشعر أن الحكومة لم تطور بعد القدرة على الاضطلاع ببرامج مماثلة بمفردها".

تخبر منيكا نياو (37 سنة)، مستشارة في عيادة متخصصة لمرض الإيدز وهي تحمل فيروس نقص المناعة المكتسبة: "ما زلت على قيد الحياة بفضل الأدوية المضادة للفيروسات التي أتلقاها من خلال تمويل خطة طوارئ الرئيس لمحاربة الإيدز. لا نريد أن يموت الناس باكراً".

على غرار كثيرين، راقبت نياو عن كثب أوباما، فيما راح يكرّم خلال زيارته جنوب إفريقيا إرث أيقونة محاربة نظام الفصل العنصري، نيلسون مانديلا المريض. فزار أوباما وعائلته يوم الأحد جزيرة روبن، حيث أمضى مانديلا 18 سنة من السنوات السبع والعشرين التي أبقاه فيها نظام الفصل العنصري في السجن. دوّن أوباما في كتاب الضيوف في ذلك الحقل الترابي في الهواء الطلق في ذلك السجن المحاط بأسوار عالية وأسلاك شائكة: "نقف بتواضع هنا حيث واجه رجال شجعان الظلم ورفضوا الرضوخ".

تقول ثولار إنها تتمنى لو أن أوباما تأثر أيضاً بمانديلا في مكافحته مرض الإيدز. فيعود الفضل إلى مانديلا في كسر حاجز العار والصمت الذي أحاط بهذا المرض في جنوب إفريقيا، وبعد أن تنحى عن السلطة عام 1999، صار مانديلا أحد أبرز الناشطين في محاربة هذا المرض. تختم ثولار: "كانت هذه معركة أخرى من معارك مانديلا".

David Nakamura & Sudarsan Raghavan

back to top