أحكام القضاء... ولكن
أتعجب من كتابات البعض "لا يجوز التعليق على أحكام القضاء ولكن..."، أو "عذرا القانون يمنع مناقشة حكم القاضي ولكن..."، ثم يبدأ الكاتب بقول ما يريد من تعليقات ومناقشة الحكم سواء بالتأييد أو الرفض، ولأنني لا أجيد استخدام "ولكن" أقولها مباشرة وبكل وضوح، مقال اليوم حول حكم المحكمة الإدارية بوقف إجراءات الانتخابات التشريعية في مصر وإحالة قانونها إلى المحكمة الدستورية، وتأثير ذلك الحكم على الشارع السياسي المصري، وكما ترون فالقانون سياسي والتأثير سياسي، أي أن الموضوع برمته سياسي تماما؛ لذلك يمكن- بل يجب- مناقشته بكل حرية.ينص الدستور في المادة (177) "يعرض رئيس الجمهورية أو مجلس النواب مشروعات القوانين المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية والانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية على المحكمة الدستورية العليا قبل إصدارها لتقرير مدى مطابقتها للدستور... فإذا قررت المحكمة عدم مطابقة نص أو أكثر لأحكام الدستور وجب إعمال مقتضى قرارها ولا تخضع القوانين المشار إليها في الفقرة الأولى للرقابة اللاحقة المنصوص عليها في المادة 175 من الدستور".
المادة (175) "المحكمة الدستورية العليا... تختص دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين...".قام مجلس الشورى– باعتباره صاحب حق التشريع الآن- بإعداد قانون الانتخابات وعرضه على المحكمة الدستورية التي اعترضت على 5 مواد فيه، وطالبت بتعديلها، وقام المجلس "بإعمال مقتضى قرارها" وعدل المواد المشار إليها وقدمه للرئيس الذي أصدره، وتم الإعلان عن موعد الانتخابات فما الذي يمكن أن نقوله؟* إعمال مقتضى القانون لا تعني إلزام مجلس الشورى بإعادته مرة أخرى للدستورية، وإلا تم النص على ذلك صراحة في الدستور.* الفقرة الأخيرة من المادة (177) "ولا تخضع..." تجيز بنسبة أكبر عدم إعادته حيث استثنته من ذلك صراحة.* قد يفسر البعض أن تعديل المواد قد جعلها مواد جديدة ومن ثم يلزم عرضها على "الدستورية".* القاضي وحده صاحب الحق في تفسير الدستور وتطبيق القانون كما يتراءى له. ومن ثم يجوز له (كما حدث) إيقاف الانتخابات وقد يرى قاض آخر (الإدارية العليا مثلا) استيفاء القانون للإجراءات اللازمة، وبالتالي إجراء الانتخابات كما هو محدد.هذه هي الحقائق التي أثارها الحكم، فما تأثير هذا الحكم على الشارع السياسي؟* حاولت المعارضة (بسذاجة كبيرة) سرقة الحكم– كما يقولون– والادعاء أنه انتصار لها رغما عن أن الحكم لم يتعرض من قريب ولا بعيد لكل ما تدعيه المعارضة عن المقاطعة.* المحكمة الإدارية تختص بمراقبة الإجراءات ولا علاقة لها بنص القانون.* أعطى القرار الفرصة والوقت الكافي للمعارضة والكثير من الأحزاب للاستعداد للانتخابات، فهل تستغل الفرصة أم تظل على موقفها وترفض المشاركة؟* ادعى البعض من فقهاء "التوك شو" أن الحكم فرصة للاستقرار ومحاولة الاتفاق بين الرئيس والمعارضة، فهل هو فعلا كذلك أم سيزيد من الانقسام بين الطرفين؟* هل القرار يساعد فعلا على الحوار والتلاقي بين القوى السياسية المختلفة أم يؤدي إلى مزيد من الانقسام والخلافات والانفلات الأمني والتوتر السياسي؟* هل اهتم الحكم بالحالة السياسية الآن للشارع المصري أم اهتم فقط بالنصوص القانونية؟كل هذه التساؤلات وغيرها كثير ستجيب عنها الأيام ليصدر في النهاية حكم المواطن –سياسياً- على حكم القاضي -إجرائياً- ومدى صوابه من خطئه.