صندوق الاقتراع، كما ذكرنا في المقال السابق، ليس العنصر الوحيد للشرعية، فهناك عناصر أخرى لازمة للشرعية تتضمنها المبادئ الدستورية التي تتم صياغتها بناء على توافق وطني عام كي تضفي مشروعية على أعمال السلطات العامة؛ لهذا فقد أدركت البشرية بعد كوارث النازية والفاشية أن النظام الديمقراطي ليس إجراءات فقط أو "سلّماً" للوصول إلى السلطة كما تفهمه بعض التيارات المتطرفة، فهتلر وموسوليني وصلا عن طريق صناديق الاقتراع، بل هو، أي النظام الديمقراطي، قيم ومبادئ عامة أيضا تحدد آلية الحكم وقواعد العملية السياسية ومن ضمنها تداول السلطة والفصل بين السلطات والتعددية وحق الاختلاف واحترام رأي الأقلية والاعتراف بالمعارضة.

Ad

من هنا فإن سلطة الرئيس المنتخب ديمقراطيا مقيدة بنصوص دستورية محددة تتضمنها عادة دساتير الدول الديمقراطية المستقرة. أما بعد الثورات فيصاغ دستور جديد يكون نتيجة لعملية توافق وطني حول قواعد العملية السياسية وآلية الحكم، وهو الأمر الذي كان من المفروض أن ينجز بعد ثورة 25 يناير العظيمة في مصر التي أسقطت نظام الاستبداد واحتكار السلطة والثروة.

بعد الثورة أجريت انتخابات رئاسية خاضها الإخوان بالرغم من وعدهم السابق للقوى الثورية بأنهم لن يترشحوا لرئاسة الجمهورية لكنهم نكثوا بوعدهم كما فعلوا عندما تراجعوا عن وعودهم السابقة بعدم السيطرة على أكثر من ثلث مجلس الشعب.

 فاز مرشح الإخوان محمد مرسي على منافسه أحمد شفيق بأغلبية بسيطة (51%)، وهذا معناه أن القوى الثورية التي لا تتفق بتاتا مع الإخوان أو "عاصري الليمون" كما يسمونهم في مصر هم الذين رجحوا كفة مرسي ومنحوه الرئاسة، ما يشير إلى وجود حالة استقطاب سياسي حاد في المجتمع تتطلب جهوداً مضاعفة من الرئيس المنتخب لتقريب وجهات النظر والآراء حول مستقبل النظام السياسي بعد الثورة. فماذا حصل؟

حصل العكس تماماً، فلم يكتف الإخوان بالتراجع عن وعودهم السابقة بعدم الترشح لرئاسة الجمهورية، وعدم السيطرة على مجلس الشعب، بل قام مرسي بعد انتخابه رئيساً مباشرة بإعادة مجلس الشعب المنحل بناء على حكم المحكمة الدستورية لأن "الجماعة" يسيطرون عليه، وألغى الإعلان الدستوري المكمل الذي سبق أن أقسم على احترامه، وتخلى عن التزامه بالقضايا التي تم التوافق عليها مع القوى السياسية في اجتماع "فيرمونت".

علاوة على ذلك فقد طرح مشروع الدستور للاستفتاء رغم الخلاف السياسي الحاد حوله، ثم أكمل "إنجازاته" للانفراد بالسلطة والقرار بإعلان دستوري جديد يحصن قراراته السابقة واللاحقة، ويجعلها نهائية ونافذة بحيث لا يمكن وقف تنفيذها أو إلغائها أمام أي جهة قضائية، ويمنع حل الجمعية التأسيسية والشورى!  

من هنا بدأت الشكوك تحوم حول شرعية ما يفعله الرئيس المنتخب، حيث إن صندوق الانتخاب فقط غير كاف لمنحه الشرعية، ولا يعطي له الحق للانفراد بالسلطة وإقصاء الآخرين، والقيام بأعمال غير مشروعة (أغلب قرارات مرسي ألغتها المحاكم)، وهو الأمر الذي أدى إلى تشكل جبهة معارضة واسعة تضم العديد من القوى السياسية والثورية ضد النهج غير الديمقراطي للرئيس.

 وزاد الطين بلة محاولة الرئيس "أخونة" أجهزة الدولة التي يفترض أن تكون مستقلة عن الحزب الحاكم مثل السلطة القضائية والأجهزة الأمنية، ناهيكم عن تدهور الوضع الاقتصادي وتردي مستوى معيشة المواطنين، حيث لم يطرح الإخوان أي رؤية اقتصادية مختلفة عما كان يطرحه نظام مبارك، فتجددت الثورة في موجتها الثانية يوم 30 يونيو... وللحديث بقية.