هناك مثل شعبي دارج يقول: «الناس ما يملا عينها إلا التراب»... والإشارة في المثل كما هو معروف إلى الجشع والطمع.

Ad

وأنا أعتقد أن هناك من لا يملأ عينه سوى... التراب فعلا، ولكن ليس بالمعنى الذي يقصده المثل. التراب فيما أعنيه ليس دلالة على الكم كما هو مقصود في المثل الشعبي الدارج، ولكن أعني نوع ما تُملأ به أعين البعض، ففي المصطلحات الدارجة أيضا عدم ملء العين من أحد ما، أو شيء ما هو تعبير للدلالة على التقليل من قيمته، كأن يقال مثلا: «إن فلانا ما يملا العين» أي إنني أراه لا شيء في عيني.

ومن هذا المعنى أقول إن هناك من لا يملأ عينه سوى التراب!

لا يملأ عينه سوى الرخيص، يفتنه، وينجذب إعجابا به.

يحاول الاستزادة منه قدر المستطاع ليملأ عينيه منه.

عيون هؤلاء مرايا رديئة الجودة، سيئة النظر، يعلو سطحها الغبار، فلا عجب إن عشقت التراب، ورأت فيه قيمة لا يعلوها قيمة.

هؤلاء البعض لن يشدهم إلا الأشخاص الذين هم برخص التراب، أما الشخص الذهب فأبصارهم شاخصة عنه ومعرضة عن رؤيته.

ليست لأعينهم القدرة على رؤية بريق الذهب، وإنما انطفاء التراب.

يبخسون الذهب قيمته فيما يعلون من شأن التراب.

إذا كان الآخرون ذهباً فهل يصبحون ترابا ليرضى عنهم هؤلاء؟!

هل يتحولون إلى مادة رخيصة لكي يصبح ثمنهم غالياً في أعينهم؟!

هل يحطون من قيمتهم الإنسانية لتعلو قيمتهم في أعين عاشقي التراب؟!

إذا كنت ذهباً فماذا تفعل إن وقعت في غرام شخصٍ لا يملأ عينيه سوى التراب؟!

هل تتحول إلى تراب ليرضى عنك ويزيد من قدرك؟!

وهل إذا أمعنت في التحول وأصبحت وحلاً، هل سيُعلي ذلك من قدرك أكثر لديه؟!

إذا كنت ذهباً عاملوك كما يستحق التراب، وإذا أصبحت ترابا عاملوك كما يستحق الذهب، فما هو أحلى المرّين؟!

الذهب لا يتحول ولا ينال من جوهره شيء، ولكن ماذا لو كان لديه خاصية التحول، هل يختار أن يكون ترابا رخيصا، ويتنازل عن مكانه في تاج، أو جيد فاتنة، أو معصم غيداء، أو إصبع غانية، ليصبح مكانه تحت الأقدام يدوسه المارة بلا اكتراث؟!

هل يشغل بال الذهب أن من لا يملأ عينه إلا التراب لا يحسن تقديره؟!

هل يحط من قيمتة قدر قراط واحد أن الأعين الملأى بالغبار لا ترى بريقه الأخاذ؟!

كن ذهبا مهما قلل ثمنك أصحاب التراب.

واعلم أن هؤلاء ليسوا سوى تراب أيضا، فلا ترتكب نفس الخطأ الذي هم فيه سائرون وإن بصورة معاكسة، فهم يبخسون الذهب قيمته، بينما ترفع أنت من قيمة التراب.  

إن كنت ذهبا فلا تعشق تراب.