إنجازات خطاب «الوداع»!
ربما ما لم يكن محسوباً حسابه، بالنسبة إلى الذين دفعوا بشار الأسد إلى مسرحية "أوبرا" دمشق يوم الأحد الماضي، أن يكون رد المعارضة الداخلية، التي طالما وصفت من قبل هذا النظام السوري وأعوانه في الخارج، على قلتهم، بأنها هي الشرعية وأنها معقولة ومقبولة، على هذا النحو وبهذه الطريقة وبوضع نفسها على الرصيف ذاته الذي تقف فوقه المعارضة الخارجية التي وصفها صاحب هذا الخطاب في خطابه بأنها عصابات قتل وإجرام، وأنها تأتمر بأوامر قوى أجنبية، وأنه لا يمكن محاورتها ولا الجلوس معها على طاولة المفاوضات.أول ما قالته هذه المعارضة، التي تضم بين رموزها اثنين من كبار الوطنيين السوريين المخضرمين، هما حسين العودات وحسن عبدالعظيم، هو أن بشار الأسد اعتبر نفسه في هذا الخطاب منتصراً بينما هو غير ذلك، ويؤكد ذلك كله صحة كل ما قيل عن أن الرئيس السوري بدا في خطابه (الأخير) أنه لا يعرف حقيقة كل ما يجري في بلده، وأثبت أنه منفصل عن واقعه، وأنَّ هناك مجموعة تحيط به لا تطلعه على حقائق الأمور ولا على المعلومات الصحيحة، ولذلك فإنه ظهر في إطلالة يوم الأحد الماضي، وكأنه "غائب طوشة" وكالأطرش في الزفَّة.
أكد حسن عبدالعظيم، الأمين العام لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي (في الداخل)، أن تجمع المعارضة الداخلية لن يشارك في أي مؤتمر للحوار الوطني قبل وقف العنف أولاً ثم إطلاق سراح المعتقلين وتأمين الإغاثة للمناطق المنكوبة المتضررة وبيان مصير المفقودين، وأكد أيضاً أنَّ أي تفاوض، وليس حواراً، يجب أن يكون بإشراف المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي وأنه "لن يكون هناك أي حوار أو تفاوض بيننا وبين النظام مباشرة، لأن مرحلة الحوار السياسي والحل السياسي فات أوانها وزمانها ومكانها".وجاء أيضاً في بيان لهذه الهيئة تلته أمينة سرها رجاء الناصر: "إن خطاب الأسد جاء ليقطع الطريق على ما حمله الإبراهيمي من مبادرة لحل سلمي يجري العمل على تحقيقه وتأمين توافق دولي روسي-أميركي لإنجاح هذا الحل".إن هذا هو واقع الحال فموقف المعارضة الداخلية من الناحية العملية بات لا يختلف عن موقف المعارضة الخارجية، وبيت القصيد هو أن خطاب يوم الأحد الماضي كان خطاب هزيمة، وليس خطاب نصر، وأن أهم إنجازات هذا الخطاب هو وضع المعارضة الداخلية والمعارضة الخارجية على رصيف واحد، وهو إضعاف لموقف حلفاء بشار الأسد، وأهمهم روسيا، الذين تمكنوا من تفريغ كل المبادرات العربية والدولية من مضامينها ولعبوا بعامل الوقت مراهنة على إمكانية القضاء على المعارضة المسلحة بالطريقة نفسها التي تم فيها القضاء على انتفاضة حماة عام 1982، فالأمور غدت واضحة كل الوضوح وهوامش المناورة بالنسبة إلى هؤلاء الحلفاء غدت شبه معدومة، فالرئيس السوري لم يذكر "المرحلة الانتقالية"، حتى مجرد ذكر، ولم يأت إلى ما تضمنته تصريحات فاروق الشرع المعروفة ولو بكلمة واحدة، كما أنه بدا في إطلالته (التاريخية)، وكأنه الجنرال الأميركي شوارسكوف، وهو يملي شروطه على الجنرالات العراقيين المهزومين في محادثات خيمة صفوان الشهيرة.