تعوّد الناس عبر التاريخ أن يكون عقاب الطغاة عبر انتفاضات أو ثورات شعبية أو تدخّل عسكري أجنبي، أو حراك محلي مسلح ينتهي بقتل الطاغية، وفي الأغلب الأعم تثبيت طاغية آخر مكانه، فإن حدث ذلك، فحينها ينطبق عليها المثل "وكأننا يا بدر لارحنا ولاجينا" أو مثلنا السائد كويتياً "لا طبنا ولا غدا الشر"، أي أن ما في المجتمع من عوار علوي تم استبداله بعوار آخر.

Ad

وحتى تلك المحاولة اليتيمة التي جرت بعد الحرب العالمية الثانية لتطوير العدالة الجنائية الدولية، والتي قامت بها الدول المنتصرة، بإجراء محاكمات نورمبرغ وطوكيو، تم وصفها بأنها "عدالة المنتصر" وقد كانت فعلاً كذلك. وعلى الرغم من جودة بعض النواحي الإجرائية الشكلية التي أضافتها، إلا أنها ظلت عدالة منتصر. واستمرت دول العالم في موقفها الرافض لتطوير الأدوات الدولية لمحاسبة الطغاة، بل إن دولاً، يفترض أنها ديمقراطية كالولايات المتحدة، نجدها تقود العالم ضد تأسيس نظام دولي حصيف يحاسب الطغاة ويضعهم حيث مكانهم الطبيعي، وراء القضبان.

ويبدو أن تطور القانون الجنائي الدولي، لا من حيث نصوصه فحسب ولكن من حيث الممارسة على أرض الواقع، قد صار يشكل تحدياً جدياً للطغاة صغيرهم وكبيرهم؛ فالآليات الدولية اليوم آخذة في الاستقرار، والطغاة سيضطرون إلى أمرين كلاهما مر، إما تحدي المسار الدولي، كما فعل ميلوسوفيتش أو تاديتش أو تايلور، ولكل منهم قصة تروى وحكاية تحكى، وسنروي بعضاً منها لاحقاً، أو تقديم التنازلات وإتاحة فرصة أكبر للحريات العامة والخاصة، وبالتالي إضعاف سلطة الطاغية بالتدريج.

استقرار النظام الدولي في محاسبة الطغاة صار مرتكزاً على جرائم ثلاث، وهي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وبالطبع فإن وجود تلك المرجعية الدولية سيسهم في تغيير وعي دولي عام بالأشياء، قادر على التأثير في مسارات مكافحة الطغاة، وحتى يتسنى لذلك الرأي العام الدولي أن يؤثر في حنايا العملية السياسية الدولية، فإن الكثير من الأدوات المجتمعية والشعبية في طريقها إلى التكون، لكي نصل إلى عالم لا تتكرر فيه المجازر ولا تهان فيه كرامة الإنسان. نعم مازال الطريق في بداياته، ولكن الزمن لن يكون في صالح الطغاة كما سنرى ونثبت بالأدلة.