التأم محبو الشاعر الراحل سليمان الفليّح في أمسية الوفاء «ذكرى طائر الشمال» في رابطة الأدباء.

Ad

نظمت رابطة الأدباء الكويتيين أمسية تأبينية للشاعر السعودي الراحل سليمان الفليّح تحت عنوان «ذكرى طائر الشمال» تحدث فيها الكثير من محبيه، وتضمَّنت شهادات معاصريه، معلماً وصديقاً وأباً، وقصائد رثاء إلى جانب مادة فيلمية لقصيدة «راحلون» بصوت الشاعر عيد الذويخ. كانت ليلة «طائر الشمال» عابقة بمشوار مرصع بالإنسانية والعطاء والدروس، لاسيما أن الفقيد تسلح بالإرادة القوية والفكر المستنير والتسامح، فقد أكد المتحدثون والشعراء أن ما غرسه الراحل لم يذهب سدى، مركزين على مواقف شخصية وذكريات منتقاة من مشوار مليء بالمحبة والمودة.

وأكد الشاعر عبدالله البصيص في مستهل أمسية الوفاء، أن الفليح ترك إرثا مكوناً من ستة دواوين شعرية، ثيمتها البداوة، والشوق لرعي الإبل في حدود الشمال، قريباً من مكان نشأته.

وأردف: «رحل على طريقة الصعاليك الذين سبقوه في الصعلكة، رحيلاً مباغتاً ومؤثراً، ترك التحليق ولم يترك الارتفاع، وأنهى به سلسلة ارتحالاته الطويلة، والرحيل نوعان رحيل يأخذ ورحيل يبقي ورحيل الفليح كان الاثنين معاً، أخذ وأبقاه في آن، أخذ الفليح عقلاً وجسداً وأبقى الفكرة والروح، وإن كان الرحيل غيب الهيئة فإنه هيأ الحضور.

تيارات فكرية

وبشأن زاويته الشهيرة «هذرولوجيا» يقول البصيص: «يمكننا معرفة ما كان يشغل الوسط الثقافي الكويتي تحديداً والعربي عموماً على مدار تلك الأعوام وتقلباتها، ونستشف من خلالها تأثير التيارات الفكرية على المشهد المحلي كالاشتراكية والقومية، وكيف تعامل معها المثقف الكويتي وما موقف المجتمع منها.

وعن كتاباته الأخرى، يشير البصيص إلى دفاع الراحل عن الكويت تحت وطأة أي ظرف مستذكراً مقالاته في جريدة الرياض السعودية، التي اتسمت بالضراوة والاستبسال في تفنيد ادعاءات بعض الكتاب المناصرين لاحتلال الكويت، وقد وثق في هذه الكتابات التداعيات والأبعاد والظروف التي شهدها العالم.

وفي كلمة مقتضبة، أكد السفير السعودي الدكتور عبدالعزيز الفايز أنه قرأ كثيراً من قصائد الراحل، معتبراً الفليح أحد الذين ساهموا في إثراء الساحة الثقافية والأدبية في المملكة، مثمناً دور رابطة الأدباء الكويتيين في تكريم هذا الأديب الكبير.

عمق فلسفي

بدوره، ركّز الأمين العام لرابطة الأدباء طلال الرميضي على نتاجه الإبداعي، ممتدحاً العمق الفلسفي والبساطة والسلاسة العفوية، مشدداً أن حفل التأبين يأتي تكريماً لهذه الشخصية الأدبية الثرية التي تميزت بالخلق الرفيع والذكاء الفطري البديع، واعترافاً بما قدمه لحركة الشعر الحديث في الكويت، والأجيال التي تخرجت على يديه من الشعراء والكتاب، ولتأكيد أن هذا البدوي الذي رحل عنا، وهو يحمل أحزانه، قد خلد اسمه بسطور من الذهب في ذاكرة الأدب الكويتي والعربي، ولنؤكد أيضاً أن ذكرى الفليح لم تمت، ولن تتلاشى محبته أبداً في قلوب عشاقه، وزملائه، وتلاميذه.

ألقى ابن الراحل سامي الفليح، كلمة عبّر فيها عن مشاعره تجاه والده، قائلاً: «ربما لن أتمكن من تذكر أبي بكل ما له من حقوق علي، لاسيما أن حديثي أمام محبيه أنتم تعرفونه أكثر مني عبر ظروف منوعة وأحوال كثيرة، كما أشكر رابطة الأدباء الكويتيين على هذا الوفاء لوالدي».

تحدث الدكتور خليفة الوقيان عن الراحل، قائلا: «أشكر كل من أعد ونفذ هذا اللقاء الأسري، لأن كل الموجودين يشعرون أنهم ينتمون إلى أسرة الفليح، بسبب أن الراحل كان يمتلك القدرة على إيصال شعور للآخر أنه الأقرب إليه، وهذه ميزة قل توافرها».

واستذكر الوقيان اللقاء الأول بالفليح، مشيراً إلى أنه في مطلع السبعينيات من القرن الفائت أخبره الشاعر فيصل السعد أنه التقى بشاعر له نكهة خاصة ومتأثر بالتجارب الحديثة في الشعر كتجربة سعدي يوسف، وإن اختلفت القضايا والهموم، فأردت استضافته مع مجموعة من الزملاء في رابطة الأدباء وحدث ذلك فعلاً واستمتعنا بهذا اللقاء الأول، وأصبح الفليح منذ ذلك الوقت أحد أفراد بيت الرابطة.

وعن سبب تفوق الراحل، يوضح الوقيان أن «سليمان يملك لغته الخاصة ومجازاته لا يشاركه فيها أحد، فاستطاع أن يوصل صوته بصدقه ونقائه فهو رمز نادر المثال».

وتابع: «الفليح لم يرحل بل هو حيّ بيننا، لأن سامي واخوانه وهم أبناؤه سيؤدون الرسالة».

أما الإعلامية أمل عبدالله فأكدت أن الراحل ترك إرثاً ضخماً واشتهر باحتضانه للشباب داعماً وموجهاً لهم، مبينة أن الفقيد لم يتوقف عند حدود الجغرافيا بل انطلق شعره في سماء الشعر والصحافة، مُؤثراً الآخرين على نفسه.

ومن جانبه، أعلن مدير دار سعاد الصباح الشاعر علي المسعودي تكفل الدار بطباعة المجموعة الكاملة للشاعر سليمان الفليح، مسترجعاً بعض الدروس التي تعلمها من الراحل، وهي اعتزاز الفرد بتاريخه، وتقديس الصداقة، وعدم خيانة العيش والملح.

كما شارك في التأبين الدكتور عايد المناع، فقال «ربما لم يكن الفليح أكثرنا حظاً بل كان أكثرنا وعياً وإدراكاً وإحساسا، فقد كان قيمة أدبية ورجلاً عصامياً».

وقرأ الشاعر إبراهيم الخالدي قصيدة أهداها إلى الراحل بعنوان «تلويحه» ومنها هذا المقطع: «قِفا نبْكِ. هذا مَحَلُّ الرثاءْ/ ومَهْبطُ أحزاننا والبكاءْ/ قِفا فوقَ رِجْمٍ بأرضِ الحَمَادِ/ يُجاوِبُ فيهِ الهَديلُ العِواءْ/ قِفا، واتركاني قليلاً، فإنَّ/ دُموعَ المُفارِقِ... بعضُ الشِّفاءْ».

أما الشاعر عبدالله الفلاح فقال في هذه المناسبة، «يا صاحبَ الظلِّ الأبيض/ يا من تقفُ الدلةُ في قدومِك/ من يعزي أصابعي التي تعلمَتْ منك كيفَ تقطفُ من الحلم نجمة ًوتخبئُها في القصيدة/ وأنا الذي كانت تكفيني قصيدتُكَ لأعانقَ نجمة ًفي السماء/... من يعزيني أنا الذي أقمتُ الحدادَ على نفسي».

كما قرأ مجموعة من الشعراء قصائد رثاء في الراحل.

يذكر أن رابطة الأدباء الكويتيين ودار سعاد الصباح حرصتا على تكريم أسرة الراحل.