بعد خمسين عاماً من الممارسة الديمقراطية في الكويت وبقائها جامدة عند حد التصويت في الانتخابات البرلمانية فقط، دون وجود أحزاب سياسية حقيقية أو محاسبة فعلية للحكومات ورؤسائها المتعاقبين، بات واضحاً أن الحراك الشبابي الأخير كان أمراً محتوماً من أجل الدفع بالديمقراطية التي توفيت منذ ولادتها في الستينيات، خاصة أن التجربة الكويتية أثبتت أن الممارسة وحدها وإن طال الزمن غير كفيلة بصهر المجتمع داخل البوتقة المدنية.

Ad

الآن ومع صدور أحكام بالسجن على مجموعة من النواب السابقين بتهمة الإساءة إلى الذات الأميرية، أعتقد أن حالة الحراك ستختلف شكلاً ونوعاً، مما سيصعد من الحالة المعقدة التي تعيشها الكويت منذ سنوات دون أي بوادر لانفراج الأزمة كما يبدو، لتخرج لنا دعوات مجهولة عن الرغبة في حوار وطني بين المعارضة والسلطة، وهو الواقع الصعب الذي يرفض أطراف عدة فيه التنازل.

نحن اليوم بحاجة إلى جلسة حوار مع النفس قبل الحوار مع الآخر، حوار نضع فيه الخطوط العريضة تحت أخطائنا جميعاً والتي وصلت بنا إلى هذه المرحلة، فمن الظلم أن نحمل جميع أخطاء الدولة على طرف واحد.

ليجرب أولا نواب كتلة الأغلبية في المجلس المبطل أن يسألوا أنفسهم عما ارتكبوه بحق الديمقراطية التي يطالبون بها، فلا الفرعيات ولا الزيادات المالية غير المدروسة ولا الإضرابات العمالية العشوائية و"الواسطات" في الوزارات وقوانين الإعدام، وترك قضية استقلالية القضاء في الأدراج تدلّ على أن هذه الفئة فعلا جادة في رغبتها في الوصول إلى الديمقراطية.

أما نحن الشباب، فلنسأل أنفسنا عن نوعيات النواب الذين نضع أصواتنا في خانات أسمائهم بورقات الاقتراع، ولنستدرك حجم الإنتاج الضعيف داخل الوزارات، لنبحث عن أسباب السماح بانتشار الطائفية والعنصرية والقبلية بين صفوفنا، ماذا قدمنا للبلد؟ وكم شخصاً فينا استغل "واسطة" يوما من الأيام لتمرير أمر ما؟ والناجحون في الفرعيات... كيف نجحوا أصلاً دون أصواتنا؟ دعونا نبحث عن مسطرتنا التي ضاعت في التقييم، كيف لشخص أن يغضب لتصرف معصومة المبارك وصفاء الهاشم في فرحتهما بالحكم ضد النواب كما نشرتها إحدى الصحف وفي نفس الوقت يصفق طرباً لأن السعدون وصف آخر بالخبل؟! وكم مسطرة نملك يا شباب؟!

أما حكوماتنا المتعاقبة، فيكيفها أن تحاور نفسها وتسأل "لماذا لم يعد أحد يثق بها؟" وبقية الأسئلة ستُفتح على مصراعيها أمام باب مجلس الوزراء من تلقاء نفسها.

يقول مالكوم إكس "على الوطنية ألا تغمض أعيننا عن رؤية الحقيقة، فالخطأ خطأ بغض النظر عمن يفعله أو يقوله"، هذه المقولة هي بالضبط ما نحتاجه اليوم، لنحاسب أنفسنا بأنفسنا أولا وقبل أي شيء آخر، فديمقراطيتنا لم تمت بسبب طرف دون آخر... جميعنا مذنبون بشكل أو بآخر!

عامود:

لا يوجد أفسد من محاولة جر "القبيلة" للصراع مع الدولة، هذا وللأسف ما حاول أحدهم أن يقوم به في تجمع الفنطاس الأخير.. وتحت أنظار وتصفيق الشباب!