بعد توهج إبداعي طويل... اختفاء كبار الأدباء المصريين

نشر في 10-04-2013 | 00:01
آخر تحديث 10-04-2013 | 00:01
بعد توهج إبداعي دام سنوات واحتفاء نقدي واسع، انحسرت الأضواء عنهم وأسدل الستار على سنوات عطائهم المتميز، اختفوا من المشهد الأدبي، بعضهم يعاني أزمات صحية ولا تلتفت إليه المؤسسات الثقافية، وبعضهم الآخر تعتصره آلام العزلة والتجاهل، ولم يعد سوى إبداعه يذكر به.
أسماء كثيرة لأدباء ومثقفين دخلت في دوائر الظل، من بينهم الروائي الكبير إدوارد الخراط صاحب العطاء المتفرد طيلة نصف قرن أو يزيد، والذي اعتزل الحياة الثقافية منذ أكثر من خمسة أعوام، وقد أشرف على التسعين من عمره، ولا يبرح مسكنه في القاهرة.

والخراط أحد الأسماء الأدبية البارزة على الصعيدين العربي والعالمي، وترجمت أعماله إلى لغات عدة، وشارك في فعاليات دولية، وله صداقات بأدباء ومثقفين عالميين، كذلك نال الكثير من الجوائز، واتسعت المسافة بين حضوره وغيابه عن الساحة الثقافية.  

قدم الخراط الكثير من الأعمال الروائية مثل «رامة والتنين» و{الزمن الآخر» و{طريق النسر»، وتجارب شعرية عدة ودراسات نقدية، وإسهامات في التمرد على أشكال الكتابة التقليدية، من بينها «الحساسية الجديدة» و{الكتابة عبر النوعية» و{أنشودة الكثافة».

تجسدت رؤيته لفعل الكتابة بأن الماضي لا يمضي، ويظل حاضراً في إبداع الكاتب، فالفن لديه إنقاذ للوجود من العدم، وتحقق للذات المبدعة من خلال قصيدة شعر أو لوحة تشكيلية أو قصة أو رواية.

وبدا الخراط كاتباً تجريبياً، ومغامراً في أشكال الكتابة الحداثية، واعتبر المفردات اللغوية أحجاراً ثمينة، وأن على الكاتب أن يدرك ماهية الإبداع والتعبير عن جدلية الذات والآخر، والتفاعل مع خصوصية التجربة والمكان.

كذلك قدم الخراط كثيراً من الأدباء الشباب، واكتشف مواهب أدبية عدة، وكتب دراسة مطولة بعنوان «مختارات من القصة القصيرة في السبعينيات»، وامتد تأثيره إلى الشعراء، وانحيازه إلى النص المنفتح على الفنون الأدبية، واستلهام التراث، والتعبير عن خصوصية المكان، واستحضار الأزمنة الفائتة.

يقول الشاعر يسري حسان: «اعتادت المؤسسة الثقافية تكريم الأدباء الراحلين، وتجاهل الأحياء، من بينهم إدوارد الخراط الذي يعيش الآن في عزلة، وقد هاتفته منذ أيام، وبدا صوته واهناً ومشحوناً بآلام التجاهل من زملائه وتلامذته، والذين سيشحذون أقلامهم للكتابة عنه بعد الغياب».

 

فساد الأمكنة

امتدت دائرة العزلة إلى أدباء آخرين، أبرزهم الصحافي والروائي صبري موسى، الذي داهمه المرض منذ سنوات، وتجاهله اتحاد الكتاب المصريين والعرب، بعد عطاء إبداعي وتفعيل النشاط الثقافي في الاتحاد، والإشراف على الفعاليات والندوات، ودوره في اكتشاف المواهب الأدبية.  

وموسى أحد الوجوه الأدبية البارزة في العالم العربي، وترجمت رواياته إلى لغات مختلفة، من بينها «حادث النصف متر» و{فساد الأمكنة»، ونال جوائز محلية ودولية، كذلك تحول بعض أعماله إلى أفلام سينمائية.

وكشف عن موهبته المتفردة في كتابة السيناريو لأعمال مثل «البوسطجي» و{قنديل أم هاشم» للأديب يحيى حقي و{الشيماء» للكاتب عبد الحميد جودة السحار.

وتناول موسى في أعماله قضايا اجتماعية شائكة عدة، وكتب قصصاً لامست معطيات الواقع المتجدد، من بينها مجموعته «السيدة التي.. والرجل الذي لم..»، وتميزت بشخصياتها وأحداثها الملتبسة ومزجها بين الواقع والحلم بأسلوب يراوح بين السخرية وصدمة الضوء في عالم المهمشين.

أسهم موسى أيضاً في أدب الرحلات بأعماله «في البحيرات» و{في الصحراء» و{رحلتان في باريس واليونان»، وتعد من أهم الكتب في هذا المجال، واعتمد خلالها التوثيق بأسلوب يمزج بين السرد الروائي والتسجيلي والقراءة التاريخية والجغرافية والتقاط التفاصيل الإنسانية لطبيعة البشر، وجماليات المكان.

يقول الأديب ماهر حسن إن الحياة الثقافية تفتقر إلى كثير من الوفاء، وتتجاهل من خبت عنه الأضواء، وليس إدوارد الخراط وصبري موسى وحدهما، بل ثمة الكثير من الأدباء والمثقفين يعانون المرض، ولا تنتبه إليهم المؤسسة الثقافية، ويغيب دورها المعنوي والمادي، وغالباً ما تتحرك بعد مرور الوقت.

ويضيف حسن: «شاهدنا منذ أشهر وزير الثقافة المصري يزور الكاتب مجيد طوبيا، والتقط معه الصور، وانتهى الأمر من دون تكريمه أو متابعة حالته الصحية، بما يلزم تحرك اتحاد الأدباء لمؤازرة قائمة طويلة من المبدعين الذين يعانون العزلة والإهمال.

أصداء الشهرة

انحسرت الأضواء عن الروائي إسماعيل ولي الدين، الذي اشتهرت أعماله في سبعينيات القرن الماضي، ومن بينها «الأقمر» و{حمام الملاطيلي» و{الباطنية»، وتحولت أعماله إلى أفلام سينمائية حققت إيرادات عالية.

واختار ولي الدين الحارة الشعبية مسرحاً لأعماله، معتمداً في كتابته على تفاصيل من واقع الحياة المصرية، ورغم اختلاف النقاد حول قيمة أعماله الأدبية، إلا أنه حقق شهرته واتساع دائرة قرائه من خلال أسلوبه التلقائي، وسرده المشوق للأحداث. وكان واحد من ثلاثة يكتبون في فضاء واحد، فاستطاع أن يحقق حضوره أمام موهبة طاغية مثل نجيب محفوظ، ومبدع متفرد مثل جمال الغيطاني، ولكنه لم يحظ بحفاوة نقدية، باستثناء دراسة كتبها الراحل يحيى حقي عن روايته «الأقمر» وأكد خلالها عن مولد موهبة أدبية جديدة.

وتباعدت المسافة بين ولي الدين وأصداء الشهرة والنجاح الأدبي، وبات محاصراً بالعزلة الاختيارية، والتجاهل بفعل فاعل، وعدم اهتمام المؤسسات الثقافية بتكريمه وسائر زملائه ممن كانت لهم بصمات إبداعية متفردة.

back to top