ماذا إذا عادت الدراخما إلى اليونان والمارك إلى ألمانيا؟ أو يحل الابتسام محل الحزن على الوجوه، موضحاً زوال الأزمة ونجاح السياسة الأوروبية؟ إن التساؤل عن كيفية السير وسط ضباب كثيف يدل بقدر كبير على الوضع الأوروبي الفظيع وما فيه من مخاطرة.
ما يعرفه الجميع دون أن يجوز لهم قوله يتمثّل في أن أوروبا صارت ألمانيا. لا يعود هذا إلى إمكانية انهيار اليورو، لكن إلى «تورّط» اقتصاد ألمانيا حتى أصبح هو القوة الكبرى ذات السياسة المؤثرة في أوروبا. في هذا الصدد قال المؤرخ الإنكليزي تيموثي غارتون آش: «لم يشمل خطاب توماس مان الذي ألقاه أمام الطلاّب عام 1953، دعوة إلى السعي إلى أوروبا الألمانية، بل إلى ألمانيا الأوروبية. وقد ترددت هذه الدعوة دائماً أبداً خلال إعادة إتحاد ألمانيا. أما الآن فإننا نشهد تغيراً، لم نره من قبل: إنها ألمانيا الأوروبية في أوروبا الألمانية. كيف يمكن أن يحدث هذا؟ وما عواقبه؟ وما هي التحذيرات والتهديدات المنتظرة؟ إنها تساؤلات سوف أتناولها في عملي هذا. لعلنا نذكر ما شاهدناه من عدم معقولية ما أكدته المجاملة العامة الحالية في المجال الاقتصادي، والذي يفيد بأن الاقتصاديين قد فاجأتهم الأزمة. لقد نتجت هذه المشكلة عن نظرة اقتصادية تجاهلت أن الأزمة ليست فقط في الاقتصاد (وفي الفكر الاقتصادي)، بل هي على وجه الخصوص أزمة المجتمع والسياسة، والعلاقة بين السياسة والمجتمع. لا أتدخّل هنا في الاقتصاد الذي لا يخصني، بل في نسيانه المجتمع الذي يخصّه. يستهدف عملي هذا تحليلاً جديداً للأزمة. وآثرت محاولة الاعتماد على الأخبار الواردة يومياً عن طريق التلفاز أو على الصفحات الأولى للجرائد، ثم استخراج ما يخص موضوعنا فيها. وتعتمد قراءتي لها على نظريتي في المخاطرة. وبما أنها تعتمد دون تدبير على الحداثة، التي قمت بعرضها في كتب سابقة، يجب مواصلة تطويرها في ما سيلي بإلقاء نظرة على أزمة أوروبا واليورو.من أجل التغلب على الأزمة نحتاج تصميماً أكثر اتساعاً لأوروبا. لكن زيادة هذا الاتساع لا تجد سوى القليل من التأييد في مجتمعات الدول الأعضاء في المجموعة الأوروبية . هل إكمال الوحدة السياسية تحت هذه الافتراضات ممكن؟ هل تجوز المشاركة في السياسات القيادية والاقتصادية والاجتماعية؟ هل التساؤل في نطاق الوحدة السياسية، القائمة على مجتمع أوروبي، قد عميت أبصاره عن سيادة الشعب؟ لا تنسوا المجتمع! إن عملي هذا يستهدف إيضاح تحركات القوات في الأزمة الاقتصادية، وظهور طبيعة جديدة للقوة في أوروبا.شهد عام 1944 ميلاد أولريش بيك، أستاذ علم الاجتماع في ميونيخ، الذي يقوم بالبتدريس حالياً في جامعة هارفارد (لندن) وكذلك في باريس. وقد أصدرت له أخيراً دار نشرSuhrkamp „أنباء من عالم السياسة الداخلية{، و{ الحُبْ عن بُعد. أشكال الحُبْ في عصر العولمة (بالاشتراك مع زوجته إليزابث بيك-جرنهيم- 2011).
توابل - ثقافات
«أوروبا الألمانية» لأورليش بيك... أم ألمانيا الأوروبية؟
18-09-2013