الحديث عن القضاء في مصر بين عهدي مبارك ومرسي يحتاج إلى أكثر من مقال- بل أكثر من كتاب- كي نفيه حقه في البحث والنقاش، ولكن سنكتفي في هذا المقال بوضع "سبوت لايت" على بعض النقاط التي كثر اللغط حولها هذه الأيام.
تطهير القضاء: هذا الشعار ليس إخوانيا ولا إسلامياً، ولكنه مطلب شعبي وثوري بامتياز تبنته ثورة يناير بعد تنحي مبارك، فكان أول المطالب بعد رحيله (تطهير القضاء وإقالة النائب العام)، وللأسف حدثت خدعة كبيرة للثوار بتمثيلية القبض على أركان النظام السابق وتقديمهم للمحاكمة، وكذلك مع مبارك فانخدع الثوار بذلك، وخفت صوتهم في المطالبة بالتطهير إلى أن عاد على استحياء بعد مهرجان البراءة للجميع، وازداد صخباً في الأيام الماضية، والسؤال هل في هذا الشعار مساس بالقضاء؟إذا كان القضاة يحكمون بين البشر فهم أيضاً بشر، ومن صفات البشر الخطأ والصواب ومنهم الفاسد والصالح، وفساد البعض لا يعني فساد الكل، ومحاولة نزع صفة البشرية عن القضاة، وإلباسهم ثوب الملائكة محاولة ساذجة فاشلة، وبالتالي فعبارة "تطهير القضاء" في ذاتها ليست عيباً، ولكن الخلاف متى؟ وأين؟ ومن يقوم به؟ أخونة القضاء: هل يسعى الإخوان والنظام إلى السيطرة على القضاء؟ يؤيد البعض ويرفض آخرون، ولكن الدليل الذي يقدمه المؤيدون هو ما يزيد من عدد الرافضين، فالادعاء بأن تخفيض سن التقاعد دليل على الأخونة ادعاء مضحك... فهل القضاة المنتمون للإخوان مثلا كلهم أقل من الـ60 والمعارضون كلهم فوقها... يجب أن يكون الدليل مقنعاً ليثق المواطن بمن يدعيه.استقلال القضاء: يتباكى البعض صباح مساء على استقلال القضاء وحصار "الدستورية" ومظاهرات دار القضاء، وبعيداً عن تناسي هؤلاء المتباكين وموقفهم من أحداث أبريل 2006 (سنعود إليها لاحقاً) نسأل ببساطة أين هو الحكم القضائي الذي استنفد جميع درجاته واستشكالاته ولم ينفذ؟ أشيروا إلى حكم واحد للدستورية لم ينفذ؟ وأخيراً عندما يقوم القضاة بإنذار على يد محضر لمجلس الشورى لمنعه من ممارسة دوره، فهل هناك سلطة تتعدى على القضاء؟ أم أن القضاء هو من يتعدى على السلطات الأخرى، ولا يحترم مبدأ الفصل بين السلطات.تسييس القضاء: يتهم البعض الرئاسة بتسييس القضاء والسؤال من أدخل القضاة إلى السياسة؟ هل أدخلتهم الرئاسة أم هم من أدخلوا أنفسهم طواعية وحباً؟ فقط نذكر بمقولة رئيس نادي القضاة رفضا لأعضاء مجلس الشعب المنحل "لو نعلم أن الصناديق ستأتي بمثل هؤلاء ما أشرفنا على الانتخابات"، فهل هذا حكم قاض نزيه وأمين وشريف أم رأي سياسي وحزبي؟! وبعد ذلك جاء حكم "الدستورية" ببطلان مجلس الشعب. بالله عليكم ألا يثير ذلك شك العاقل؟!أبريل 2006: بالتأكيد نتذكر جميعاً ما حدث في هذا الوقت وتجاوزات ضباط داخلية مبارك واعتدائهم جسدياً– بعد الفكري والأدبي- على القضاة وسحل بعضهم في شارع شامبليون... ثم إحالة هشام بسطاويسي ومحمود مكي للمحاكمة وإقالته، نعم إقالة النائب العام المستشار ماهر عبدالواحد وتعيين عبدالمجيد محمود (ولم يرفع عبدالواحد قضية ويملأ الدنيا صخبا وضجيجاً)، كل ذلك حدث ويتناساه الجميع لأن مبارك –أيضاً- رفع سن التقاعد إلى 70 واستمرت الموافقة على الدفعات التكميلية للالتحاق بالنيابة، وما أدراك ما الدفعات التكميلية؟ (تحتاج لمقال منفرد). هناك الكثير والكثير من النقاط التي يمكن– بل يجب- الحديث حولها ولكن المساحة الصغيرة اللعينة لا تكفي، وفي النهاية فقد نجح مبارك– خاصة بعد 2006- في السيطرة على القضاء بما قدمه من امتيازات ومنح، وفشل مرسي في السيطرة بفرض الأمر والضغط الشعبي، وإن كان كلاهما مخطئ فخطأ القضاة – وعذرا- لا يقل أبدا عن خطئهما، فهم من أصروا ومازالوا يصرون على ممارسة السياسة بوشاح القاضي، وهذا لا يليق... وكفى.
مقالات
القضاء بين «منح» مبارك و«محن» مرسي
26-04-2013