أوباما يقود الولايات المتحدة إلى الحرب
ربما كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يستعد لتجاهل قانون المساعدات الأجنبية الذي يحظر على واشنطن تقديم مساعدات لأنظمة انقلابية، حين أعلن ما لم يتجرأ الجنرالات المصريون على ادعائه: هدف الانقلاب «إعادة إرساء الديمقراطية».
يتعارض حلم باراك أوباما في السياسة الخارجية (علاقات ودية مع شرق أوسط هادئ بفضل "الدبلوماسية الذكية") تعارضاً تاماً مع الواقع. يُظهر خطابه الكثير التقلب مخاطر الإكثار في الكلام. فيبدو في حواراته وخطاباته كمن يملك شهية شرِةٍ إلى الكلام يختار كلماته بعناية دون أن يتذوقها. وقد أوقع بسبب كلامه الولايات المتحدة في هاوية تدخل عسكري رابع في الهلال الممتد من ليبيا إلى أفغانستان.على سبيل المثال، خلال وصفه المشروع الليبي عام 2011 بعبارات سلبية غريبة ("يطالب آخرون جيشنا بالتطوع لتنفيذ المهمات")، أوضح أوباما أن انجراره إلى الحرب الأهلية الليبية عملية وقائية. وأضاف: "أرفض انتظار صور الذبح والمقابر الجمعية قبل أن نتحرك".
وهكذا تبنى أوباما برضاه المعهود عن الذات عقيدة "مسؤولية حماية المدنيين". وبدت ليبيا فرصة ملائمة للقيام بعمل أخلافي غير مكلف باستخدام أسلحة متفجرة.في شهر أغسطس الماضي، عاودت عقيدة "مسؤولية الحماية" الظهور، عندما صدم أوباما فريق عمله بتحدثه فجأة عن الأسلحة الكيماوية السورية، قائلاً: "الخط الأحمر بالنسبة إلينا رؤية مجموعة كاملة من الأسلحة الكيماوية تُنقل أو تُستخدَم". لكن معياره هذا المثير للاهتمام، "مجموعة كاملة"، حول هذا المبدأ إلى ثغرة واضحة، وسلط الضوء على تردده في التدخل، تردد بدا أكثر عقلانية من كلماته الأسبوع الماضي: سيستحوذ سلوك سورية الشائن واستخدامها الغازات السامة على "انتباه الولايات المتحدة، فضلاً عن المجتمع الدولي كله، كما نأمل". عندما نتأمل كلماته هذه بدقة، نتساءل: إن كانت كلمة "مجتمع" تشير ضمناً إلى القيم والأهداف المهمة المشتركة، فأي مجتمع قد يجمع الدنمارك، والكونغو، وكندا، وكوريا الشمالية، والبرتغال، وكوبا، والنرويج، وإيران، وبريطانيا، والمملكة العربية السعودية، وبولندا، واليمن؟لكن الكلمات تبدو مرنة وطيعة جداً في إدارة أوباما، حتى إن تعريف "قاموس أوكسفورد للغة الإنكليزية" عبارة "انقلاب عسكري" ("تبديل للحكومة يُنفذ بالقوة وبطريقة غير مشروعة") لا يصف، في رأيها، ما حدث في مصر. قال المتحدث باسم أوباما الأسبوع الماضي: "تبين لنا أن اتخاذ القرار بشأن ما إذا كان ما حدث في مصر يُعتبر انقلاباً أو لا لا يخدم مصالح الولايات المتحدة". ويبدو البيت الأبيض مقتنعاً تماماً بعظمته والعواقب السحرية لكلماته، حتى إنه يظن أن إخبار الناس أن القانون مصدر إزعاج تصرفاً ذكياً.تحظر الفقرة (508) من قانون المساعدة الخارجية تقديم المساعدة "لأي بلد يطيح انقلاب عسكري بحاكمه المنتخب وفق الأصول". ويبقى هذا الحظر سارياً إلى أن يحدد الرئيس أن "حكومة منتخبة ديمقراطياً" عادت لتسلم السلطة. وربما كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يستعد لتجاهل هذا القانون، حين أعلن ما لم يتجرأ الجنرالات المصريون على ادعائه: هدف الانقلاب "إعادة إرساء الديمقراطية". لربما أخفقت الفقرة (508) بتجاهلها قدرة الرئيس على اتخاذ القرارات الصائبة في السياسة الخارجية. فيعتبر البعض أن من الضروري منح الرؤساء في مجال السياسة الخارجية حرية اتخاذ القرارات. ولا يترددون في تأكيد فكرتهم هذه بعدائية متزايدة أينما كانوا. ولكن لو لم يكن سجل الرئيس أوباما حافلاً بتجاهله القانون إلى هذا الحد، لكنا تجاهلنا على الأرجح تجاهله هذه الفقرة وغضضنا النظر عنه.ولكن تذكروا ليبيا. منذ تمرير "قانون صلاحيات الحرب" رغم معارضة ريتشارد نيكسون عام 1973، حرص الرؤساء على العمل "بما يتلاءم" مع حدوده بشأن اتخاذ الرئيس قرارات خوض الحروب أحادياً. ولكن في ليبيا، أدى أوباما دور البطل، مع أنه كان يملك متسعاً من الوقت للعمل بموجب الدستور والرجوع إلى الكونغرس الذي كان يؤيده. ذكر آنذاك بروس أكرمان من كلية الحقوق في جامعة ييل:"تخطى أوباما حتى السابقة المثيرة للجدل التي أقدم عليها الرئيس بيل كلينتون حين قصف كوسوفو عام 1999. فقد أصر مكتب الاستشارة القانونية في وزارة العدل آنذاك أن الكونغرس وافق على هذه العملية بتخصيصه المال اللازم لحملة كوسوفو. صحيح أنها خطوة مبالغ فيها نظراً إلى الوقائع، لكن أوباما لا يستطيع حتى الاستفادة من هذه المناورة اليائسة، بما أن الكونغرس لم يخصص أي أموال للحرب الليبية. يستخدم الرئيس بكل بساطة أموالاً مخصصة لأهداف عامة في وزارة الدفاع كي يخوض حملته الجوية الراهنة".علاوة على ذلك، يتجاهل أوباما "الخطوط الحمراء"، التي يرسمها، تماماً كما يتجاهل القوانين. فقد أعلنت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأسبوع الماضي أن خط أوباما الأحمر بشأن الأسلحة الكيماوية انتُهك "قبل بضعة أشهر... واتخذ الرئيس الخطوات اللازمة"، معلناً على ما يبدو تقديم مساعدة (غير مميتة) للثوار السوريين، "مع أننا لن نقدم جردة حساب عما قمنا به".قد يكون أفضل أن تقوم الإدارة الأميركية بأمر يفضل رئيسها ألا يقوم به مطلقاً: الكف عن الكلام.إن كان التدخل العسكري الرابع وشيكاً، فلن يتمكن من تبديل مجرى الأحداث بشكل حاسم، وهي خطوة لا يمكننا تحقيقها في أمة بالغة الأهمية بالنسبة إلى المصالح الأميركية... علماً أن سورية ليست كذلك. لكن هذه العملية لا هدف فعلياً لها غير إنقاذ أوباما من أقواله.George F. Will جورج. ف ويل