اندفع الشيخ سيد مكاوي صوب مبنى الإذاعة المصرية، ليجرب حظه لعلها تقبل به مغنياً وملحناً، فانخرط وسط صفوف الموسيقيين والمطربين، ليتعرف منهم إلى أسلوب التعامل مع الإذاعة، وما يمكن أن يجيزه فيقدم عليه، وما قد يكون السبب في استبعاده فيهجره، إلا أنه فوجئ بحالة من الانقسام تضرب صفوف الموسيقيين بسبب صدور قرار من الدولة رقم 132 لسنة 1944 بتشكيل نقابة الموسيقيين رسمياً، حول هوية شاغل منصب نقيب الموسيقيين، ففريق يناصر الآنسة أم كلثوم، وفريق آخر يناصر الموسيقار محمد عبد الوهاب.

Ad

قرار الدولة نص على أن يتم تشكيل مجلس نقابة ونقيب، برئاسة موقتة من الآنسة أم كلثوم، إلى حين إجراء انتخابات حرة نزيه لاختيار المجلس والنقيب، بناء على قرار الجمعية العمومية المنعقد سلفاً. إلا أن القرار كانت له تباعته الخطيرة، فالانقسام ضرب صفوف أهل المغنى، وأسفر عن وجود فريقين؛ فريق يناصر أحدهما الموسيقار عبد الوهاب، وفريق يناصر أم كلثوم، حول أحقية أيّ منهما لتولي منصب نقيب الموسيقيين.

ودارت نقاشات طويلة بين الموسيقيين حول هذا الأمر، كان وقوده الأساسي الصراع التاريخي بين عبد الوهاب وأم كلثوم على قمة الغناء العربي،  ولم ينته الأمر إلا بعد إجراء الانتخابات الرسمية، والتي جرت بنظام التصويت السري، لتنجح أم كلثوم في حصد أصوات غالبية الموسيقيين، كأول رئيس لأول نقابة حكومية للمهن الموسيقية في الوطن العربي.

حرص الشيخ سيد أن يكون بعيداً عن كل هذه الصراعات التي لا ناقة له فيها ولا جمل، فعلى رغم انتهاء الانتخابات فإن التحزب ظل قائماً في الوسط الموسيقي، وحتى لا يحسب على أيّ من الجبهتين، قرر مكاوي أن يلجأ إلى التراث البعيد عنهما ينهل منه، وإن كان يميل بعقله وقلبه إلى حد كبير إلى الآنسة أم كلثوم بأدائها الساحر.

حكمة ورضا

أرسل الشيخ سيد خطاباً إلى الإذاعة المصرية، يطلب فيه تحديد موعد لاختباره كملحن وكمطرب، وفي الوقت نفسه راح يستزيد من التراث، بالاستماع إلى كل ما تصل إليه يداه، في انتظار رد الإذاعة، غير أنه لم يصل، مرت أشهر ولم يصله منهم رد بعد أكثر من خمس مخاطبات، حتى يأس من الرد عليه، فقرر أن ينسى الموضوع، كما نصحه أحد الأصدقاء، بحجة أن {الإذاعة حبالها طويلة}، في إشارة إلى أن البت في مثل هذه الأمور قد يستغرق وقتاً طويلاً، فعليه أن ينتظر أو ينساه تماماً، غير أن والدته كان لها رأي آخر:

= ما هو الطريق اللي أنت ماشي فيه غلط يا شيخ سيد.

* ليه كدا يا أمي... أنت لسه برضه مش راضية عن الغنا... وهترجعي لكلامك دا تاني.

= وماحدش غيري هيقولك الكلام دا.

* تقصدي إيه؟!

= أقصد أنك لازم تباشر مصلحتك بنفسك. جوابات إيه اللي هيبصولها... أنت لازم تروح بنفسك.

* أيدك أبوسها يا أم سيد.. أخيراً رضيتي عني!

جلس الشيخ سيد مكاوي يفكر في ما قالته والدته، فوجد أنها أعطته مفتاح السر، فسأل نفسه سؤالاً مباشراً: {لماذا بالفعل لا أذهب إلى الإذاعة، وأطلب منهم التقدم للاختبار مباشرة؟}.

في اليوم التالي مباشرة توجه على الفور إلى دار الإذاعة المصرية في {أرض الشريفين} في وسط القاهرة، ليلتقي أياً من المسؤولين في الإذاعة. دخل الشيخ سيد مبنى الإذاعة وطلب مقابلة رئيس الإذاعة شخصياً، غير أنه لم يكن موجوداً، وطلبوا منه أن يحدد موعداً مسبقاًَ في ما بعد، على اعتبار ألا مقابلة من دون موعد سابق.

غضب غضباً شديداً، وراح يلقن الموظف الذي التقى به درساً في الوطنية:

= يا أفندي أنا مليش علاقة.

* وموجود هنا ليه لما أنت ملكش علاقة. ثم إن الإذاعة دي مصرية، ومن حق أي مواطن مصري يطلب مقابلة رئيس الإذاعة في أي وقت.

= ما قلناش حاجة يا أفندي... بس لازم تحديد معاد... وإلا أيّ حد معدي في الشارع يطلع يقابل رئيس الإذاعة.

* أنا مش أيّ حد... أنا الشيخ سيد مكاوي.

= على عين وراسي يا فضيلة الشيخ... وبعدين اللي مسؤول عن المشايخ اللي بيقروا قرآن الأستاذ.

* (مقاطعا) يا حبيبي أنت بتفترض اللي أنت عايزة مع نفسك... وبتحدد اللي أنت عايزه... أنا مش عايز الأستاذ بتاع المشايخ... أنا عايز رئيس الإذاعة.

سمع وكيل الإذاعة عبد الحميد يونس ما قاله الشيخ سيد، وعلم أن شاباً كفيف البصر يريد مقابلة رئيس الإذاعة، فطلب مقابلته على الفور:

= أهلاً يا ابني... اتفضل أقعد... هدي نفسك... هات له ليمون يا سعد.

* أشكرك يا أفندي على حسن استقبالك.

= أنا عبد الحميد يونس وكيل دار الإذاعة... وتقدر تعتبرني رئيس الإذاعة بالإنابة... لأن السيد رئيس الإذاعة في مهمة خارج القطر المصري.

*والله أنا بعتذر ما كنتش أعرف... وكمان الأخ اللي قابلني ما فهمنيش كدا... ما عندوش غير كلمة مش موجود... وموعد سابق.

= معلهش دا موظف غلبان بينفذ الأوامر... وعموماً يا سيدي أنا تحت أمرك.

* العفو يا فندم خلاص بقى.

= لا أتفضل أتكلم لو فيه حاجة أقدر أقوم بيها.

* في الحقيقة أنا اسمي سيد محمد مكاوي... مطرب وملحن. وكنت أرسلت لكم ما يقرب من عشرة جوابات أطلب فيها تحديد موعد لإجراء اختبارات للانضمام للإذاعة.. لكن ما فيش ولا جواب ردوا عليه.

= دا صحيح. لأن اختبارات لجنة الاستماع متوقفة الأيام دي... لأن ما فيش ميزانية

مطرب نعم... ملحن لا

وجم الشيخ سيد ولم يرد، شعر بأن القدر يعانده، مستقبله وتحديد مصيره متوقفان بسبب عدم وجود جنيهات عدة في ميزانية الإذاعة، فوقف واتجه إلى الباب من دون أن يعلق، فاستوقفه عبد الحميد يونس، ليبث فيه الأمل من جديد:

= استنى بس يا شيخ سيد رايح فين؟!

* استنى إيه تاني يا أستاذ عبد الحميد... ما حضرتك قلت كل حاجة خلاص.

= لا لسه... أنا عندي اقتراح لو موافق عليه يبقى فيه حل.

* أنا موافق الحقني بيه.

= شوف أحنا ممكن نجهز لك الموسيقيين وندفع لهم أجرهم..بس لو سقطت في الاختبار ولجنة الاستماع استبعدتك... هتتكفل أنت بأجر الفرقة والموسيقيين.

* وأنا موافق.

= يبقى على بركة الله.

حددت لجنة الاستماع في الإذاعة موعداً للشيخ سيد بعد أسبوع، على أن يؤدي الاختبار، كمطرب وملحن. قبل التحدي، ولم يجعله تحدياً سهلاً بل قرر أن يرفع من درجته، حيث اختار أغنية من الأغاني القديمة الصعبة للمطرب الكبير محمد عثمان، فاختار موشح {كللي يا سحب تيجان الربى}، من نظم الشاعر الأيوبي القاضي السعيد أبي القاسم هبة الله بن جعفر الشهير

بـ{ابن سناء الملك}، وراح يُملي على صديقه إسماعيل رأفت {النوتة الموسيقية} الخاصة بالأغنية، وتم نسخها نسخ عدة.

في اليوم المحدد دخل الشيخ «سيد» إلى غرفة الاختبار، كانت لجنة الاستماع والفرقة الموسيقية في انتظاره، قام بتوزيع النوتة الموسيقية على أعضاء الفرقة، نظروا فيها، ثم راحوا ينظرون إلى بعضهم البعض في دهشة، ليس من اسم الأغنية الصعب، لكن إشفاقاً على الشيخ سيد من هذا اللحن شديد الصعوبة، وكيف سيؤديه هذا الفتى «الكفيف»، فحتماً ولا بد من أن يرسب في الاختبار، فلا يمكن اتقان مثل هذا اللحن إلا من كبار الملحنين، لكنهم قرروا  أن من حقه أن يأخذ فرصته كاملة.

استعدت الفرقة... جلس الشيخ سيد وأمسك بالعود... أعطى للفرقة إشارة البدء فبدأوا العزف... وهو معهم، ثم انطلق:  

كللي- يا سحب تيجان الربى بالحلى

واجعلي- سوارك منعطف الجدول

ياسما- فيك وفي الأرض نجوم وما

كلما- أغربت نجماً أشرقت أنجما

وهي ما- تهطل إلا بالطلا والدمى

***

فاهطلي- على قطوف الكرم كي تمتلي

وانقلي- للدن طعم الشهد والقرنفل

تتقد- كالكوكب الدريّ للمرتصد

يعتقد- فيها المجوسيّ بما يعتقد

فاتئد- يا ساقي الراح بها واعتمد

***

وأمل لي- حتى تراني عنك في معزل

قلل- فالراح كالعشق إن يزد يقتل

من ظلم- في دولة الحسن إذا ما حكم

فالسدم- يجول في باطنه والندم

والقلم- يكتب ما سطّر فوق القمم

***

من ولي- في دولة الحسن ولم يعدل

يعزل- الألحاظ الرشأ الأكحل

لا أريم- عن شرب صهباً وعن عشق ريم

فالنعيم- عيش جديد ومدام قديم

لا أهيم- إلا بهذين فقم وأنديم

***

وإنهل- من أكؤس صورن من صندل

أفضل- من نكهة العنبر والمندل

هل يعود- عيش قطعناه بوادي زرود

والجنود- في حضرتي تضرب جنكا وعود

والحسود- في معزل عنا غداً لا يسود

***

عُذّلي- لا تعذلوني فالهوى لذّ لي

ما الخلى- في الحب مثل العاشق المبتلى

أسفرت ـ  ليلتنا بالأنس مذ أقمرت

بشرت- بملتقى المحبوب واستبشرت

شمرت- فقلت للظلماء قد قصرت

قفلة

طولي- يا ليلة الوصل ولا تبخلى

واسبلي- سترك فالمحبوب في منزلي

*****

انتهت الأغنية وتوقف العازفون... وصمت الشيخ سيد. وفجأة انطلق التصفيق من خلف، فقد بادر العازفون بالتصفيق له، وهم الذين أشفقوا عليه في البداية، وسرعان ما انتقلت العدوى إلى لجنة الاستماع، فصفقوا له، على رغم أن وقار المنصب وشروط «الإذاعة» تشترط أن يكون قرار اللجنة سرياً، فإنهم ضربوا بقرارات الهيئة عرض الحائط، وأعربوا عن رأيهم صراحة فور انتهاء مكاوي من الغناء.

 بعدما اطمأن على صوته، ناول النوتة الموسيقية الخاصة باختباره كملحن إلى الفرقة، وبدأ العزف مع الفرقة كملحن، غير أن اللجنة رأت أنه كمطرب أفضل منه كملحن، فتم إجازته كمطرب، ليكون بداية الاعتراف بموهبته ومنحه جواز المرور إلى الحياة الفنية، من أوسع الأبواب.

 نجحت الأغنية ونجح الشيخ سيد مكاوي وأدرج اسمه في قائمة المطربين الذين تتعامل معهم الإذاعة، اقترب منه عبد الحميد يونس ممازحاً:

= مبروك يا شيخ سيد. ولو أنك كدا غرمت الإذاعة... وهتخلينا نتحمل مصاريف الفرقة.

* معلش يا عبد الحميد بيه... خليها عليكم المرة دي... كان بودي أشيل عنكم الحرج وأشيل المصاريف. لكن أعمل إيه... ما بالفن حيله.

= على كل يا سيدي أنت دلوقت مقيد في قائمة مطربي الإذاعة... وإن شاء الله هيتم إبلاغك في ما بعد بمواعيد تسجيل أغنياتك.

لم يضع الشيخ سيد وقته، وبدأ على الفور في تجهيز نفسه لتقديم عدد من الأغاني عبر الإذاعة، فراح ينقب في التراث ويبحث في كنوزه المخفية ليستخرجها، استعداداً لإعادتها للنور وتقديمها للمستمع المصري من جديد، متوقعاً أن تبلغه الإذاعة بموعد تسجيل أول أغنية في أقرب وقت، لكن الأمل تبدد عندما علم أن الإذاعة اكتفت بوضع اسمه في قائمة مطربيها، فيما جلس سيد ينتظر إخطاره بموعد التسجيل، الذي لم يأت، وطال الانتظار بلا جدوى.

النصيحة الثانية

أوقف الشيخ سيد حياته كلها على هذه الفرصة، ولم يعد يفعل شيئاً في انتظار تسجيل أول أغنية للإذاعة، لعل وعسى تفتح له أبواب الخير، فعشقه للموسيقى ليس من باب الهواية فقط، بل هو كذلك مصدر رزقه الوحيد، ربما تكون المشكلة هينة لو كان وحيداً لا يحمل من الهموم إلا ما يخصه، ولكن كيف وهو رب أسرة كبيرة العدد، هو عائلها الأوحد.

 إضافة إلى مشاكله، كان وضع البيت الذي يسكن فيه مع بقية أسرته في حارة «السقايين»، ينغص عليه حياته، فهو بيت قديم آيل للسقوط، تحجبه عن عيون مهندسي «التنظيم»، حارة مظلمة رطبة لا تكاد ترى النور أو الهواء، وإيجار البيت لا يزيد على الجنيه كل شهر، ومع هذا لا يستطيع الشيخ سيد أن يدفعه، حتى تراكم عليه الإيجار لأشهر عدة، ما أدى إلى مشكلة كبيرة مع صاحب البيت ما اضطره إلى الهروب وافتعال الحيل حتى يتفادى تهديدات صاحب البيت، فيظل طيلة اليوم خارجه، ولا يعود إلا بعد منتصف الليل، حتى يطمئن إلى أن صاحب البيت يغط في نوم عميق، ثم يسارع بالخروج مع أول ضوء قبل أن يستيقظ الرجل، حتى اكتشف صاحب البيت حيلته، فتعمد يوماً أن يصلي الفجر ويجلس أمام باب البيت، ليكون في انتظار الشيخ سيد وهو يخرج متسللاً.

ارتدى الشيخ سيد ملابسه، واصطحب عوده، وخرج في هدوء، وما إن اقترب من باب البيت حتى اصطدم بكرسي صاحب البيت:

* لا مؤاخذة يا أخينا... بس العتب عليك مش على النظر... لأن ما فيش حد بيقعد كدا في باب البيت... الناس تخرج إزاي وأنت قاعد كدا؟

= الناس ما تخرجش طالما عليها فلوس يا شيخ «سيد».

* مين... المعلم عنتر؟! وأنا بقول هي الشمس طلعت بدري ليه النهاردة. أتاري نورك مش نور الشمس.

=  لا شمس ولا قمر... أيدك على الأجرة يا عم سيد.

* عم سيد. دا أنت اللي عمي... ولا أنت مستخسر تقوللي يا شيخ سيد.

= شيخ إيه وانت ماسك ليّ البتاعة بتاعة المزيكاتية دي. عامل زي اللي بيسرحوا بربابة ع القهاوي.

* ليه كدا يا معلم عنتر... أنا بحبك وبقدرك.

= ويعني أنا اللي بكرهك... ما أنا بحبك..بس مش أكتر من نفسي وعيالي... هاكل عيالي محبة.

* ليه... ما أنت ماشاء الله بتأكلهم لحمة من المحل عندك. ولا أنت بطلت تبيع لحمة في المحل.

= هنبطلها بسببك يا شيخ سيد... ماهو لو كل السكان زيك ما بيدفعوش أجرة. هناكل طوب... حتى مش هنلاقي العيش حاف.

* ليه بعد الشر عنك يا معلم.

= لا شر ولا حر... إيدك على الأجرة. أغسطس وسبتمبر وأكتوبر ونوفمبر وديسمبر.

* كل دا يا معلم.

= إيه هضحك عليك... أهم... أيدك ألمسهم بس.

* دا صحيح والله... عموماً يا معلم فرجة قريب إن شاء الله.

= شبعنا بقى من الكلام دا... فرجة قريب والصبر مفتاح الفرج... لما خلاص بقنا مرر من الصبر.

* طب يا معلم... على العموم كتر خيرك... أديني بس فرصة أسبوع... والفلوس هتكون عندك وعليهم بوسة.

= يا سيدي أديك أنا ميت بوسة... بس أعطيني الأجرة. قدامك أسبوع واحد بس ما تآخذنيش يا شيخ سيد... أنا بحبك وبقدر أبوك الله يرحمه. بس الرحمة حلوة.

بدلاً من مواصلة الخروج، عاد الشيخ سيد إلى داخل بيته، فلم يعد هناك داع للخروج في هذه الساعة المبكرة، ما دام أن أمره انكشف والتقى صاحب البيت، ليدخل فإذا بوالدته في انتظاره بعدما سمعت ما دار بينه وبين صاحب البيت، ليجد وجهها مبللاً بالدموع:

* إيه دا... أنت بتبكي يا أمي.

= معلش يا بني... أنا عارفة إن حملي أنا وأخواتك تقيل عليك.

* أوعي تقولي كدا تاني... أنتو عمركم ما كنتم حمل عليا... دا أنتم روحي وعنيا.

= ماهو دا ما يرضيش ربنا... إننا نيجي على أضعف ما فينا ونرمي الحمل عليه.

* أنا مش ضعيف يا أمي... أوعي تفتكري أن ضياع نظري ضعف بالنسبة لي. أنا قوي. بس الحظ معاندني شوية... وإن شاء الله بكرة تفرج. كنت فاكر لما أنجح في اختبارات الإذاعة هتنفتح ليا الأبواب... لكن يظهر أن النجاح والموهبة لوحدهم مش كفاية.

= يا ابني ما حدش بيدور على حد في الزحمة دي... اللي عايز حاجة بيدور عليها. واللي عايز ينجح ما يستناش حد يمد له أيده... لازم هو اللي يمد أيده ويتشعبط في أي فرصة.

* حلوة يتشعبط دي يا أمي... وأنا بوعدك أني هدور على الفرصة، ومش بس هتشعبط فيها... لأ همسك فيها بإيدي وأسناني.

 

ما كان الشيخ سيد مكاوي ليرضى بأن يظل مجرد اسم في قائمة، وبدأ يطرق كل الأبواب في الإذاعة كي يحصل على حقه في الغناء كما يفعل غيره، وبعد جهد كبير وتردد دائم على دار الإذاعة، وافقوا أخيراً على أن يسجل الشيخ «سيد» أول أغنية له.

 شعر الشيخ «سيد» بأنه مقبل على امتحان جديد، غير أن الامتحان هذه المرة لن يكون مقصوراً على أعضاء لجنة الاستماع، بل جموع الشعب المصري بكل طوائفه وطبقاته، ما زاد من رعبه، فأراد أن يكون على قدر المسؤولية التي ستشهده مولده كمطرب، وراحت والدته تشد من أزره، اختار الشيخ سيد دور «مليك الحسن في دولة جماله» ليكون أول ما يغنيه في الإذاعة المصرية، فقام بتحضير النوتة الموسيقية الخاصة به، وأطلق صوته للميكرفون، وانتظر النتيجة.

(البقية في الحلقة المقبلة)