السيمفونية الرعوية

نشر في 07-10-2013
آخر تحديث 07-10-2013 | 00:01
 فوزية شويش السالم السيمفونية الرعوية هي العمل الأشهر للكاتب أندريه جيد الذي توّجه كأديب معاصر له تأثير واسع، لا في فرنسا وحدها بل تخطى كل ما حولها من الدول.

الرواية هذه، وهي أشهر كتاباته، لم أجد لها أي تأثير أو إثارة تهز وجداني أو تثير في عقلي الأسئلة حتى إنني أنهيتها في ليلة واحدة لم تترك لدي أي أثر سوى سؤال لماذا حققت هذه الرواية كل تلك الشهرة؟

هل لأنها جاءت في زمن كانت فيه التقنيات الروائية الفنية أبسط من الآن بكثير، أم لأنها ناقشت موضوع عشق رجل الكنيسة لفتاة صغيرة من وجهة نظر دينية مسيحية آتية من تعاليم المسيح؟

قد تكون هذه المقاربات والمقارنات التفسيرية واحداً من الأسباب التي أشهرتها في عام 1919، وقد يكون أيضاً مما ساهم في نجاحها بساطة الإنتاج الروائي وعدم تعقيده، أو عمق فهمها وتحليلها لعلاقة الرجل بالفتاة.

الرواية بكل بساط تحكي عن رجل كنيسة تستدعيه فتاة من القرية ليقوم بإجراءات الدفن لامرأة عجوز تحتضر، وهناك في كوخها يتعثر بفتاة عمياء صماء ليست أكثر من "حيوان بري" يعرف فقط كيف يأكل، عدا ذلك كل معرفة لديها عن العالم معدومة وهي قريبة إلى العجوز المتوفاة، يحار في أمرها ثم يقرر أخذها معه ليعيد تأهيلها وتعليمها، ولتقيم مع أولاده الخمسة وزوجته التي ترفض وجودها ثم ترضخ لإرادته.

ويبدأ مرحلة تعليمها الصعب كما كتبها في يومياته: "أن تريد أن تبدأ بالبناء، قال لي، قبل أن تتأكد من أن الأرض صلبة، فكر في أن كل شيء ركام في هذه الروح، وأن الخطوط الأولى أيضا ليست راسخة".

ويكتشف سرعة تعلمها وقدرتها على التجاوب الذكي والفهم الروحي العميق، لأنها لم تكن صماء، لكنها لم تجد من يعلمها لغة التخاطب، وكما شرح ذلك في يومياته: "لم يفقد ثقته بنفسه، كما فعل أحدهم الذي انحنى على حافة بئر عميقة ومظلمة ليحرك بيأس حبلاً على أمل أن تلتقطه يد، لأنه لم يشك أبداً في أن شخصاً لن يكون هناك في قاع الهوة، وأن هذا الحبل لن يُمسك في النهاية، وأنه في هذه اللحظة انفجرت دموع العرفان الجميل والحب من عينيها".

تبدأ المشكلة حين يقع في حبها من دون أن يعرف أنه يحبها، وهي بادلته الحب الذي شعرت به زوجته وأخذتها الغيرة من الفتاة، خاصة أنه لم يهتم بتعليم أولاده كم اهتم بتعليم فتاته، فجاء رده على زوجته من تعاليم المسيح حين قال: "هذه النعجة، إذا وجدها الراعي ـ أقول بحق۔ إنها تسبب له المزيد من الفرح أكثر من التسع والتسعين نعجة الأخرى، التي لم تكن ضالة، وإنها كانت تعيش في خدر عميق إلى اليوم الذي بدأت فيه بالاهتمام بها".

ويحدث أن يكتشف أن ابنه الكبير بدوره يشاركه حب هذه الفتاة ويطلع والده على رغبته في الزواج منها، لكن الوالد يرفض هذا الزواج ويقنعه بتعاليم المسيح بعدم استغلال ضعفها وعماها، وكذلك يصارح الفتاة بما قاله لابنه، لكنها تخبره بأنها تحبه هو وليس ابنه۔

يخبره صديق له بإمكانية إجراء عملية جراحية لإعادة البصر إلى الفتاة، وبالتالي يرسلها إلى جنيف لتجرى لها العملية، وحين تشفى تعود لتزورهم، وبعد هذه الزيارة تلقي نفسها في النهر لتنتحر، لكنهم ينقذونها وهم يظنون أنها قد تزحلقت ووقعت فيه، وقبل أن تموت تعترف له بأنها أحبت صورة ابنه جاك فيه، وهو أغرب ما في الأمر، حيث إنها لم تكتشف حبها لابن راعيها إلا من بعد ما عاد إليها بصرها من بعد نجاح العملية، وهو ما جاء هكذا في النص: "يا صديقي، سوف أجلب لك الكثير من المتاعب، ولكن لا ينبغي أن يبقى أي كذب بيننا، عندما رأيت جاك، أدركت فجأة أنه ليس أنت الذي كنت أحبه، إنه هو، إن له وجهك بالضبط، أريد أن أقول ما كنتُ أتخيله أنك هو... آه! لماذا جعلتني أرفضه؟ كان يمكن أن أتزوجه".

وتنتهي الرواية بهذه الجملة: " كنت أرغب في البكاء، ولكنني كنت أشعر بأن قلبي قاحل كالصحراء".

هناك شيء في منطق الرواية غير معقول وغير منسجم، وربما يكون فقط بالنسبة لي.

back to top