ونحن نعيش المواجهات الدامية التي يشهدها العالم الإسلامي في سورية والعراق واليمن وباكستان، على خلفية دينية مذهبية، واقتراب المنطقة من حرب طاحنة على وقع ما يحدث في سورية من اصطفافات مذهبية أشعلتها مرجعيات لدول إقليمية ذات صبغة سياسية-دينية، كل ذلك ألا يستدعي أن نقف جميعاً كدول وهيئات اجتماعية وسياسية لنراجع مدى الدمار الذي لحق بنا نتيجة إقحام الدين في دولنا العربية الحديثة منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي، سواء في الدول العربية أو نتيجة تحول إيران إلى دولة دينية.
بلاشك، يعيش العالم الإسلامي أقسى مراحله، وشعوبه تعاني أغلبيتها الفقر والأمية والتخلف والدكتاتورية باستثناءات بسيطة من دول وجدت صيغة عصرية للإسلام والدولة، مثل تركيا وماليزيا، بفضل موروث ذي بعد علماني تعددي لديها، وفي ما عدا ذلك فإننا نعيش تخبطات النموذج الديني الإيراني الذي سيشعل المنطقة، ونظيره السلفي الطالباني الذي استدعى العالم أجمع للتحالف لمحاربتنا بجيوشه على الأرض، وطائراته بدون طيار، التي تحصد الأرواح في اليمن وباكستان والصومال، وإضافة إلى ذلك فإن الفكر الأصولي الإسلامي يضع ملايين المسلمين في أوروبا وأميركا في قفص الاتهام والملاحقة، بسبب نقل ممارسات السيوف وقطع الرؤوس ووأد البنات إلى هناك.مبرراتنا لممارساتنا المتخلفة وتراجعنا عن الحضارة الإنسانية في أغلبها ضعيفة ومتهاوية، والحديث عن الاحتلال والاستعمار الذي عطلنا عن الحضارة حجة واهية، فكوريا الجنوبية، التي دمرت عن بكرة أبيها في منتصف القرن الماضي، وكانت تحت التهديد المستمر من جارتها كوريا الشمالية، ومن خلفها دولة الصين العظيمة، تُعلم اليوم القاصي والداني كيف تنمو الأمم وتصنع مجدها الإنساني، عبر التصميم والتنظيم والإرادة، والنموذج الكوري الجنوبي يفضحنا ويدحض كل مبرراتنا، وبينما الكوريون يصنعون مجدهم مازلنا نحن نتجادل حول معركة الجمل، ومن كان أولى بالخلافة قبل 1350 سنة؟ بل ويستغل المنافسون في المنطقة ذلك ليجيروا قسماً كبيراً من العرب لخدمة مشروعهم القومي المغلف ظاهرياً بتلك الدعاوى.بالتأكيد نحن نملك عقيدة دين الإسلام السمح الذي ألف القلوب على المحبة والعيش المشترك على مدى قرون طويلة، والتي حولها البعض منذ عقود قريبة إلى العصبية والجهل، وحصرها في النزعات الجنسية والشهوات وتحريم الاختلاط وجدل النقاب والحجاب وشكله، وقطع الرؤوس وجدع الأنوف في أفغانستان، حتى أضحينا عالة على العالم في كل شيء إلا ما رحم ربي، وشجعنا على ممارسات التخلف والتفرق حكام أرادوا أن يلهوا الأمة بذلك حتى يصفى لهم التنعم والتفرد بثرواتها.وبعد ما وصلنا إليه ألا يصحو منا نفر ليعيدونا كبقية الأمم إلى حياة العصر الحالي، ويوقفوا سفك دمائنا، ليرجعوا الإسلام إلى أصله الرحيم المتسامح الإنساني، لنتراحم ونتعايش مع الآخر، سواء كان أخاً في الدين أو أخاً في الإنسانية، وأن ننضج رؤية عصرية لديننا كما تعاملنا وراجعنا أحكام ملك اليمين والمؤلفة قلوبهم، وأن تتراجع حكوماتنا عن نهجها الذي "دروش" الدول ليعيد الإنسان العربي المسلم خياراته من تمكين الأصوليين ورجال الدين من تعاطي الشأن السياسي والحكم؟
أخر كلام
... كوريا ماذا فعلت بنا؟!
13-06-2013