في الصين... جهود الإصلاح مجازفة متوقعة لا مفر منها!

نشر في 26-01-2013
آخر تحديث 26-01-2013 | 00:01
No Image Caption
أفضت جهود الحزب الشيوعي الصيني لمواصلة الإمساك بزمام السيطرة باستخدام الوسائل القمعية إلى زعزعة الاستقرار، وليس العكس، وقد ينطوي الإصلاح على مجازفة غير أن تفاديه يظل أكثر خطورة.
 إيكونوميست في إقليم هونان وفي شهر أغسطس الماضي حكم على تانغ هوي بفترة عمل من 18 شهراً في أحد معسكرات العمل. كانت جريمتها تتلخص في مطالبتها بتشديد الأحكام على الرجال الذين اختطفوا واغتصبوا ابنتها ذات الأحد عشر ربيعاً، ثم اختفت السيدة تانغ هوي لتأدية العقوبة، لكن بعد أن تقدم الآلاف من أبناء الطبقة المتوسطة للدفاع عنها جرى الإفراج عنها في السابع من يناير الجاري، وأعلنت الحكومة الصينية من جانبها أن "نظام معسكرات العمل" سيشهد إصلاحاً وشيكاً.

قبل أيام في غوانغزو، وحسب أوامر يقال إنها صدرت عن رئيس هيئة الدعاية الإقليمية، تم تغيير مقالة قبل نشرها في صحيفة "ساوثرن ويك إند"، وهي مطبوعة إصلاحية، وكانت المقالة الأصلية تدعو إلى التعاطي بقدر أكبر من الاحترام للحقوق المنصوص عليها في الدستور الصيني، بينما أشادت النسخة المعدلة بالحزب الشيوعي وبالنظام السياسي في الصين. وتبع ذلك دعوة إلى الإضراب من قبل بعض العاملين في الصحيفة، لتندلع بعدها احتجاجات من جانب مؤيدين خارج مكاتبهم في غوانزو، وأخذوا يهتفون خلالها بشعارات سياسية مناهضة من تلك النوعية التي يندر أن يسمع مثلها في شوارع الصين منذ سنة 1989.

«معسكرات لاوجياو»

في القضيتين السابقتين انتهك مسؤولون الدستور الصيني، لكن ما من جديد في هذا الأمر، لأن هؤلاء المسؤولين كانوا يتصرفون كما اعتاد المسؤولون أن يتصرفوا بشكل دائم. أما الأمر المغاير فيما حدث، فهو ذلك التغير الذي طرأ على توقعات الناس، إذ لم يعد بالإمكان تهدئة المواطن الصيني من خلال النمو الاقتصادي والشعارات. المواطن الصيني يريد الآن تحقيق تغيير سياسي وكيفية معالجة الزعيم الصيني الجديد زي جينبنغ لهذه الضغوط المطالبة بالإصلاح ستقرر مستقبله ومستقبل بلاده .

يعتبر نظام العدالة وحرية الصحافة من الأسباب الرئيسة وراء الاستياء الشعبي، كما أن نظام العدل الصيني عبر العمل والمعروف باسم "لاوجياو"، قد وضع في سنة 1957 خلال عهد ماو تسي تونغ. وهو يختلف عن النظام السائد حالياً للسجون ومعسكرات العمل الخاضعة للنظام القضائي. وتكرَّس معسكرات "لاوجياو" في الوقت الراهن للتعامل مع عناصر "الثورة المضادة" وصغار المجرمين والبغايا والمعارضين الذين يحرجون الحكومة. وبالإمكان احتجاز الناس هناك من دون محاكمة حتى أربع سنوات، ويقال إن تلك المعسكرات تضم حوالي 160000 معتقل وربما أكثر من ذلك.

الأشغال الشاقة وحرية الكلام

من غير الواضح مدى جدية الخطط المتعلقة بالإصلاح، وقد نسب إلى صحافي رفيع في الشؤون القانونية قوله نقلاً عن مسؤول قضائي رفيع المستوى إن الحكومة سوف "تتوقف عن استخدام" نظام "لاوجياو" خلال سنة واحدة. وبعد ساعات قليلة على أي حال قالت وكالة الأنباء الرسمية الصينية "شينخوا" إن النظام سيتم "إصلاحه" وليس إلغاءه. تجدر الإشارة إلى أن الأحاديث السابقة حول وعود الإصلاح لم تحقق شيئاً، حتى إذا سمح للموقوفين بتعيين محامين وحضور جلسات محاكمة فإن النظام القضائي في الصين يقدم إلى المدعى عليهم النزر القليل من الحماية- لكن على الرغم من ذلك يشعر العديد من المحللين ببواعث أمل مشجعة.

وفي غضون ذلك وبعد عدة أيام من الإضراب في غوانغزو، بدا أن الصحافيين في مطبوعة "ساوثرن ويك إند" قد عادوا إلى عملهم وسط تقارير تحدثت عن التوصل إلى اتفاق يسمح بالعودة إلى النظام العادي الذي يقضي بممارسة الصحافيين لرقابة ذاتية وعدم تدخل الرقابة بشدة والاكتفاء بما يمكن اعتباره نصائح وتعليمات إرشادية حكومية تأتي إلى المحررين بصفة يومية. غير أن رئيس هيئة الدعاية في الإقليم يواصل احتفاظه بمنصبه ولا توجد هناك مؤشرات على التحرر من ذلك الوضع. ويستمر قادة الحزب الشيوعي في التعامل مع حرية الصحافة ليس على شكل أداة ضد الفساد بل مثل وصفة للفوضى.

المجازفة الخطرة

منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي كان هناك اتفاق ضمني في الصين بين الحكام والمحكومين، يقوم الحاكم بمقتضاه بضمان الرخاء والازدهار ما دام المحكوم لا يطالب بأي قدر أكبر من الحريات، ويبدو أن هذا الاتفاق قد تعرض للانتهاك في الوقت الراهن من قبل العديدين. فلقد حصل المواطن الصيني على الرخاء، لكنه يريد الحرية أيضاً.

وبالسرعة ذاتها التي تحذف فيها رقابة الإنترنت المقالات الناقدة والتغريدات اللاذعة انضم مزيد من جماعات الطبقة المتوسطة الغاضبة إلى الجدال الدائر بشأن تلك القضايا وبدأت بنشر شكاوى جديدة. وفي السابع من شهر يناير الجاري اقتبست ياو تشن، وهي ممثلة سينمائية مشهورة تتمتع بشعبية تزيد على 30 مليونا من المعجبين على موقعها على الإنترنت، من المؤرخ الروسي ألكسندر سولجنستين دعماً لصحافيي "ساوثرن ويك إند" الذي قال "كلمة واحدة من الحقيقة تفوق في قيمتها العالم بأسره". وحتى الناس من داخل المؤسسة الحاكمة في الصين يدعون إلى إجراء تغيير سياسي، وفي الشهر الماضي وقع 72 من الشخصيات الصينية البارزة– معظمهم من الأكاديميين والمحامين- عريضة تطالب بإجراء إصلاح راديكالي.

وبالنسبة الى العناصر الليبرالية في الغرب يعتبر إنهاء الرقابة ومعسكرات العمل حتمية أخلاقية. وبالنسبة إلى الرئيس زي جينبنغ، وهو سلطوي براغماتي، فإن الحسابات تغدو مختلفة، لكن لو أنه يعلم ما الشيء الجيد بالنسبة إليه وإلى بلاده لتوصل إلى الجواب ذاته. وقد أفضت جهود الحزب لمواصلة الإمساك بزمام السيطرة باستخدام الوسائل القمعية إلى زعزعة الاستقرار، وليس العكس، وقد ينطوي الإصلاح على مجازفة غير أن تفاديه يظل أكثر خطورة.

ويفهم الرئيس زي بوضوح مدى قوة المشاعر الشعبية وتأثيرها  خصوصاً في ما يتعلق بقضية الفساد والبذخ الرسمي، وقد بذل جهداً جلياً لتفادي العديد من الولائم المعتادة خلال جولته في أنحاء متفرقة من البلاد، وأصبح شعاره في وسائل الإعلام يدعو إلى الاكتفاء بعناصر الوجبة الرئيسية في الصين "4 أطباق وحساء" بدلا من التبذير والبذخ، غير أن ذلك لن يساهم في تهدئة خواطر الشعب الصيني على أي حال وسيتعين عليه البدء بتغيير النظام.

وقد أظهرت صورة نشرت على موقع إنترنت دعماً للصحافيين المضربين ظهر فيها العديد من الرجال والنساء تحت شعار يقول: "4 أطباق وحساء... ليس إصلاحاً حقيقياً.... الإصلاح الحقيقي يتمثل بحرية الصحافة".

back to top