لا حل للخروج من الانسداد السياسي إلا باصلاحات تدريجية نحو مزيد من الديمقراطية. ولا مزيد من الديمقراطية إلا بمزيد من الحريات باتجاه الفصل الحقيقي بين السلطات، معادلة بسيطة نستهلك ترديدها، إلا أن التجربة الديمقراطية الكويتية التي تمر بمخاض عسير منذ بداياتها، تسير اليوم عكس دوران الساعة مصادمة نواميس التطور. فكيف تسير الديمقراطية بقدم واحدة، وهي السلطة التشريعية المنتخبة بينما تبقى الحكومات ثابتة لا تتغير؟ حتى تلك القدم تعاني العطب، لأن صلاحياتها محدودة ومقيدة بسلطة الحكومة التي تشارك بكل ثقلها (وهي الحزب الأوحد والأقوى) في السلطة التشريعية. فادعاء البعض بعرقلة مجالس الأمة للتنمية هو ادعاء باطل لأن الحكومة متمددة على كل السلطات بينما يغيب دورها الأساسي في حماية حقوق وحريات المواطنين، فهي حاضرة ومهيمنة على مشروع الحكم في حين أنها غائبة وفاشلة في مشروع الدولة.
ذلك هو المرض الحقيقي الذي لا ترى الحكومة اليوم سوى عوارضه التي تحاول معالجتها ببندول الصوت الواحد، بينما تتجاهل دورها في مأسسة الفساد وشراء الولاءات وترسيخ الاستقطابات الطائفية والقبلية وخلق نواب مناديب ومخلصين للمعاملات في غياب موحش لحكم القانون. وبدلاً من إصلاح الخلل البنيوي وترميم البنيان المتهالك من خلال فتح آفاق الديمقراطية لتجاوز ذلك الانسداد، تضع الحكومة سدوداً أكبر تعوق حراكها وتطورها الطبيعي. وهو نهج استمرأته الحكومات منذ ولادة الديمقراطية التي مازالت تحبو، لتسدد طعناتها واحدة تلو الأخرى من تزوير إلى حل غير دستوري إلى تعديلات في النظام الانتخابي إلى تحالفات مع القوى الأصولية التي تكالبت على وأد الديمقراطية وهي في مهدها، لتتوالد الأزمات من رحم الديمقراطية المشوهة. تلك هي محنة الديمقراطية الكويتية العشائرية التي لا تشبه أي ديمقراطية في العالم، ومالم نصلح اختلالاتها فلن تتمكن هي من إصلاح ما أفسده دهر الحكومة.يأتي الحراك الشبابي اليوم ليوصل رسالته بأن كفى عبثاً بمصائرنا ومستقبلنا، إلا أن الحكومة تأتي بمعالجات تزيد انقسامات المجتمع، لتخرج خيزرانتها التي تهش بها على كل من تسول له نفسه أن ينتقد أو يعارض عبر قوانين غير ديمقراطية تستخدمها للترهيب والتخويف، وهي قوانين ساهم في وضعها نواب الأمة وتقاعس آخرون في تعديلها. وما ظاهرة استخدام العنف والقوة لفض التجمعات السلمية والاعتقالات العشوائية (التي استنكرها تقرير هيومن رايتس ووتش يوم أمس)، وإغلاق قناة "اليوم" وإخراس الأصوات المعارضة إلا دليل على تسيد العقلية البدائية التي تريد أن تفرض هيبتها الحديدية لأمن الدولة بدلاً من فرض القوة اللينة "للأمن الإنساني" التي كانت السبب في استقرار وازدهار الأمم المتطورة الواثقة بنفسها والتي لا تخاف من النقد والمحاسبة ولا تضطرب نفسياً من حرية التعبير والتجمع السلمي.وإذا كانت المعارضات السابقة لم تفلح في المراقبة الفاعلة والمحاسبة الحقيقية بسبب اعتلال النظام الديمقراطي... فكيف سيصلح مجلس الأغلبية الحكومية ما أفسدته حكومات الدهر على مدى نصف قرن؟!
أخر كلام
إصلاح ما أفسده دهر الحكومة!
28-12-2012