خمسون عاماً من النضال... ولا يزال الطريق وعراً
خمسون عاماً مرت على تأسيس الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية الكويتية، مسيرة طويلة من النضال والعطاء والعمل الدؤوب المثابر من أجل تحرير وتمكين المرأة سياسياً واجتماعياً وقانونياً واقتصادياً... لن توفي أسطر قليلة حق هؤلاء النساء المتطوعات وهذه المؤسسة الإنسانية وإنجازاتها ودورها في التأثير وتغيير الواقع السياسي والاجتماعي للمرأة.وقد كان للجمعية إنجازات عديدة في القضايا الإنسانية والاجتماعية، من ضمنها: تأسيس "لجنة الزكاة" لمساعدة الفئات الأقل حظاً، ومشروع "نادي الأمل" لرعاية الأطفال المرضى بالسرطان، ومشروع قرية "حنان" في السودان لإيواء الأطفال الذين يعانون ظروفاً قاسية بسبب التهجير والتشريد، وتأسيس حضانة البستان لضعاف السمع والنطق، ولجنة "كويتيون لأجل القدس"، وحملة "نداء الياسمين" لإغاثة الشعب السوري، وحملات للدفاع عن قضايا المرأة الكويتية المتزوجة من غير كويتي، وحملة "جنسيتي حق لي ولأبنائي"، وحملة لمناهضة العنف ضد المرأة، ومشروع حقوق المرأة في قانون الأحوال الشخصية، إضافة إلى إقامة العديد من الدورات والمؤتمرات والحملات لنشر التوعية السياسية والصحية والإنسانية والقانونية.
ويأتي المشروع الأخير "ورقتي"، الذي أعد من قبل الجمعية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بهدف تحسين المعرفة القانونية للمرأة وتمكينها وتعزيز حقوقها من خلال إصدار سلسلة "كتيبات المعرفة القانونية" لنشر التوعية في ما يتعلق بحقوقها في الأسرة والزواج، وفي المواطنة والجنسية والمشاركة السياسية، وفي الحقوق الاقتصادية وحمايتها من العنف. ولاتزال الجمعية تعمل على رفع وعي المرأة بحقوقها وواجباتها والدفع باتجاه رفع الانتهاكات المتنافية مع الحقوق التي كفلها الدستور والمواثيق الدولية. كثيرة هي الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة، أهمها عدم وجود قانون يحميها ضد العنف الأسري والمجتمعي، وحرمانها حقَّ منح الجنسية لأبنائها، والتمييز ضدها في ما يتعلق بحقوق الرعاية السكنية بالمقارنة مع الحقوق التي يحصل عليها الرجل، فضلاً عمّا تعانيه من تمييز يتعلق بالمناصب القيادية والحقوق الوظيفية وقوانين الأحوال الشخصية.إن التمييز في الحقوق التي كفلها الدستور للمرأة المواطنة هو انتقاص لمواطَنَتها، كما أن انتهاك حقوق المرأة المهمشة في المجتمع هو انتهاك لإنسانيتها، فهناك أكثر من 660 ألف عاملة منزل يعملن دون وجود قانون يحميهن ضد الاستغلال والعنف، في ظل نظام الكفيل غير الرحيم. أما المرأة الأكثر عرضة للانتهاكات فهي المرأة "البدون" التي تعاني في وطنها الذي لا تعرف غيره ظروفاً قاسية، لاسيما إذا كانت أماً لمعاق، فالمعاقون "البدون" لا يشملهم قانون المعاقين الكويتي، كما أن المرأة "البدون" عموماً تعاني ظروفاً معيشية وتعليمية واجتماعية صعبة ولا إنسانية. إن تحرير المرأة يبدأ بتحرير الإنسان أولاً عبر التحرر من السلطوية الأبوية التي يخضع فيها الإنسان عموماً لمؤسساتها البدائية كالقبيلة والعائلة والطائفة والفئة، والتي تعيد إنتاج التسلط الأبوي، وتخلق وعياً مزيفاً عبر أدواتها الإعلامية والتعليمية والقانونية المتشبثة بسلطة الماضي وقراءته الحرفية للنصوص، فالعقلية الأبوية هي المعوق الأساسي لتحرير الرجل والمرأة والطفل والإنسان، عبر تأسيسها لعلاقة الفرد بالدولة من خلال انتمائه إلى الجماعة وهوياتها عوضاً عن العلاقة التي تقوم على مبدأ فردانية الإنسان واستقلاليته.لذا فإن معركة التنوير والنهوض تحتاج إلى تحرير الرجل والمؤسسات الدينية والسياسية والتعليمية، فكيف يمكن تحرير المرأة في مجتمع سلطوي يُقمَع إنسانه ويُطوَّع طفله ويُقيَّد عقله بالأغلال والسلاسل؟لقد لعبت الجمعية الثقافية النسائية دوراً بارزاً في تطور الثقافة الاجتماعية والسياسية عبر مسيرتها النضالية... إلا أن الطريق لايزال طويلاً ووعراً.