ملصقات رضا عابديني...الحروف بلغة الشرق
نشرت مجلة «بدايات» اللبنانية في عددها الأخير ملفاً عن الفنان الإيراني رضا عابديني الذي اشتهر بفن الملصق وبقدرته على المزج بين الخطوط التقليدية والحديثة التي يصممها. وقد فاز عابديني بعشرات الجوائز الوطنية والدولية في التصميم، وكان صمم ملصق مهرجانات «بيت الدين (2011).
من دون شك حين نتأمل في ملصقات عابديني نشعر بارتياح لأننا أمام «أشياء أخرى تأتي من طهران»، على نسق «أشياء أخرى تأتي من بلاد العم سام» (أميركا)، فمنذ عقود باتت إيران، بلد عمر الخيام وصادق هدايت، ترتبط بالصواريخ وتصدير الثورة والباسيج والملالي والفتاوى والرجم والجلد والتدخلات في شؤون الدول المجاورة، وحده المشهد الثقافي يخترق المشهد الاحترابي الذي تقوم عليه إيران، ونقصد بالمشهد الثقافي السينما الإيرانية التي اشتهرت عالمياً وتعرّض بعض اقطابها للتهجير والسجن من قبل الملالي والباسيج، والفنون الإيرانية التي فتحت ثغرة في المنظومة الخمينية - الخامينئية القائمة على مبدأ الحرب والنزاعات.لا يختلف رضا عابديني عن حال السينما الإيرانية، فهو يقدم الملصقات بلغة تتنافى مع المنطق الخميني وثقافته، يدمج بين حضور صورة الجسد والاستناد إلى قوة تعبير الحرف العربي، ويجعل من الحروف مادة للإبداع، منطلقاً من مبدأ أن العربية مصدر لا ينضب للابتكارات المعبرة والأصلية، وقد أضافت التقنيات الجديدة ثراءً جلياً إلى فنّه الذي يمزج التقليد مع الحداثة.
يبدع رضا عابديني بالكلمات والصور بهدف الترويج لأحداثٍ ثقافية: مهرجانات، معارض، أعمال أدبية أو مسرحية أو سينمائية، وتتدرج ألوانه ما بين ظلال وتدرجات اللون ذاته أو ما بين ضدية الأبيض والأسود، الأمر الذي يحقق توازياً أو تكاملية على صعيد الحالة البصرية محبوكة بأناقة تتوزع بطريقة هندسية تملأ مساحات الفراغ. ينثر الأحرف، بليونة وانسيابية، في محيط الجسم، مستفيداً من المخزون التراثي للزخرفة الإسلامية، خصوصاً المنمنمات ورسوم المخطوطات القديمة بدلالاتها الجمالية المؤثّرة. توقيعات بصرية تتجاوز القيم البلاغية للحرف، لتمتص إمكانات الفنون الشعبية، كما نجدها في المنسوجات اليدوية، ورسوم العملات، والأختام، والخط.يقول رضا عابديني إنه بعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة في طهران لاحظ أن التصميم الغرافيكي قائم، في أغلبه، على الروح الغربية والحرف اللاتيني، فبدأ البحث والعمل على إضفاء روح الشرق على تصاميمه من خلال الاستفادة من طاقات الحرف العربي وجمالياته الخاصة بالتصميم، مبيناً أن هذا العمل تطلب الكثير من البحث في التيبوغرافيا والمخطوطات القديمة والمنسوجات لفهم روح الحرف العربي. اعتمد المصمم الإيراني في أعماله على اعادة المسحة الجمالية للحرف المطبوع من خلال عودته إلى الذات التراثية والمخزون البصري للحضارة الإسلامية والمنمنمات، باحثاً عن الجماليات وتطبيقاتها البسيطة في كل تفاصيل هذا التراث، من كتب منمنمة وعملات قديمة وألبسة ومنسوجات ليقدمه بروح عصرية ضمن توظيفات جديدة بتصاميمه الغرافيكية.يعتبر عابديني أن استخدامه لنوع الحرف يأتي من ملاءمته مع فكرة التصميم وموضوعه، مضيفاً أن الزخرفة الإسلامية غنية جداً إذا ما تم التداخل بينها وبين الحرف العربي الذي يحمل كثيراً من الدلالات اللغوية والجمالية، فتعكس مهارة خاصة في استثمار قدرة الحرف الفارسي - العربي على الإيحاء، عن طريق الخط والنقطة والدائرة.ولد رضا عابديني عام 1967 وتخرج في كلية الفنون الجميلة في طهران وهو عضو في التجمع الغرافيكي الدولي منذ العام 2001. قدم معارض عدة في العالم ونال جوائز من أبرزها: الجائزة الرئيسة لمؤسسة الأمير كلاوس في هولندا، ويدرس منذ العام 1996 في طهران وفرنسا وهولندا.