«المبادرة الروسية» تزرع الحذر في لبنان
تتابع القيادات اللبنانية الرسمية والحزبية من خلال الاتصالات والتقارير الدبلوماسية التفاصيل المتلاحقة المتعلقة بالاقتراح الروسي في شأن الأسلحة الكيماوية السورية وانعكاساته على مسار المواجهة بين النظام السوري ومعارضيه، وبالتالي على النفوذ السوري - الإيراني في الشرق الأوسط. وفي حين أصيب بعض المتحمسين لضربة عسكرية غربية بنوع من الإحباط فإن آخرين من الفريق نفسه يعتبرون أن الاقتراح الروسي لن يغير في النتائج، وإن كانوا يعترفون بأن أسلوبا دوليا جديدا في التعاطي مع الأزمة السورية هو في طريقه إلى البلورة.
في المقابل، فإن من يعتبرون أنفسهم امتدادا لما يسمونه محور الممانعة السوري – الإيراني في لبنان انقسموا بدورهم بين فريقين، الأول يعتبر أن النظام السوري تمكن من الإفلات من الطوق الذي حاولت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الخليجيون العرب فرضه على النظام السوري، وأن إيران أفشلت محاولات الفصل بينها وبين دمشق، والثاني يدعو إلى التريث في إعلان "الانتصار" معتبراً أن الأمور في حاجة إلى مزيد من الوقت والحذر في التعاطي مع التطورات بانتظار معرفة ما إذا كانت موسكو قد أبرمت صفقة مع الغرب تحفظ من خلالها مصالحها على حساب النظامين السوري والإيراني، أم أنها في صدد المضي قدما في تحالفها مع دمشق وطهران سعيا وراء المزيد من "تحجيم" النفوذ الأميركي - الأوروبي - الخليجي في العالم عموماً والشرق الأوسط خصوصا. ويبدي بعض حلفاء سورية وإيران في لبنان مخاوف جدية من أن يتخذ الحل المقترح لأزمة السلاح الكيماوي السوري منحى متدحرجاً بحيث يطاول في المستقبل القريب الملف النووي الإيراني وهو ما يعني في رأيهم قضاء سهلاً على "القوة الاستراتيجية" الممانعة في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. وانطلاقاً من هذه المخاوف التي يبديها بعض حلفاء سورية وإيران في لبنان، يدعو بعض خصوم التحالف المذكور إلى مراقبة الميدان السوري لا سيما لناحية الحركة التي يمكن أن يقوم بها الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللذان يمسكان بالكثير من مفاصل القرار العسكري السوري في مواجهة الفصائل المعارضة. ولا يستبعد هؤلاء أن تعمد طهران من خلال خبرائها وضباطها الموجودين على الأراضي السورية ومن خلال القوة العسكرية المقاتلة لـ"حزب الله" على اكثر من جبهة ومحور الى التحرك بما يؤدي الى نسف المبادرة الروسية بقوة الأمر الواقع العسكري في حال تبين لطهران أن المبادرة ستؤدي إلى عزلها وإزاحتها عن الساحة السورية، وبالتالي عن الساحة اللبنانية. من هنا الحذر الذي تبديه الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا حيال الخطوات التنفيذية، والإصرار على استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بموافقة كل من روسيا والصين يكرس الأهداف التي يسعى الغرب الى تحقيقها لا سيما لناحية منع سورية وايران من ممارسة نفوذ سياسي خارج الإطار الجغرافي لحدودهما الطبيعية. ويتخوف بعض حلفاء دمشق وطهران من أن تكون موسكو في صدد صفقة جديدة مع الولايات المتحدة الاميركية والغرب تحفظ مصالحها على حساب ايران. ويعتبرون انه حتى ولو تبين ان روسيا تحاول من خلال مبادرتها إنقاذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد فإن ذلك لا يكفي قبل التأكد من شروط هذا الإنقاذ، لا سيما لناحية وجوب ألا يأتي بشروطه مشابها للشروط التي فرضها الغرب على العقيد الليبي معمر القذافي من خلال صفقة لوكربي التي أدت عمليا الى تخليه عن سلاح الدمار الشامل الذي كان يمتلكه، وهو ما أثبتت التطورات أنه كان مقدمة لإزاحة أكثر سهولة للقذافي عن الحكم في وقت لاحق.