كل كِبار الذين انحازوا إلى حافظ الأسد في صراع الأربعة أعوام من سنة 1966 حتى انقلاب تشرين الثاني (نوفمبر) 1970، الذي أعطاه انقلابيوه اسم "الحركة التصحيحية"، وهم عبدالحليم خدام ومصطفى طلاس وحكمت الشهابي، وأيضاً إنْ أردتم رفعت الأسد، قد اضطروا إلى الفرار بجلودهم إلى الخارج، بعضهم في عهد "الوالد" والبعض الآخر في عهد "الولد"، وهذا يثبت صحة أن الانقلابات التي تسمى "ثورات" تأكل أبناءها كالقطط المتوحشة.

Ad

قبل أيام، قرأنا نعياً للعماد أول حكمت الشهابي، الذي توفي في كاليفورنيا في الولايات المتحدة ودُفن هناك، والذي كان حافظ الأسد قد أزاله في منتصف ثمانينيات القرن الماضي من طريق ولده بشار، مع من أزال، رغم أنه كان يعتبر الأقرب إليه، ورغم أنه كان المهندس الحقيقي للدخول العسكري السوري في لبنان الذي استمر من عام 1976 حتى عام 2005، حيث تم ذلك الانسحاب المخجل بقرار دولي بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري الذي لايزال دمه ينتظر معاقبة الجاني حتى الآن.

بقي حكمت الشهابي، بعد إقامته في المنفى الاختياري في الولايات المتحدة يتردد على بلده بين الفينة والأخرى، وكان دائماً وأبداً خلال هذا التردد يزور مسقط رأسه "باب الهوى"، التي يسيطر عليها الجيش الحر الآن، لكنه بعدما رفض بشار الأسد استقباله في زيارته الأخيرة لدمشق عاد إلى كاليفورنيا بمرارة شديدة وبقناعة أن سورية ذاهبة إلى الفوضى والدمار والخراب، وقد بقي هناك كاظماً غيظه يراقب مجريات الأحداث المؤلمة عن بعد، ورافضاً كل محاولات استدراجه، وبخاصة من قبل عبدالحليم خدَّام، للالتحاق بالمعارضة، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.

وهنا، فالمعروف أن أسوأ ما يمكن أن يوجه إنساناً تفانى في خدمة نظامٍ كان يعتقد أنه نظامه هو عدم "الوفاء"، فهذا الرجل، حكمت الشهابي، كان أحد الأعمدة الرئيسية لنظام الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، وكان مثله مثل عبدالحليم خدام ومصطفى طلاس، قد استُخدِم كقطعة "موزاييك" مذهبية وطائفية بعد استتباب الأمور لـ"الحركة التصحيحية" التي ها نحن نشهد تصحيحاتها في كل هذا الذي يجري في "القطر العربي السوري"، الذي تحول للأسف في عهد هذه الحركة إلى مجالٍ حيوي لإيران الفارسية، لا لإيران الشيعية على المذهب الجعفري الإثني عشري كما يروج الولي الفقيه وأتباعه وأعوانه.

كان نظام "الحركة التصحيحية" بحاجة إلى حكمت الشهابي، هذا الذي مات في الغُربة ودفن في ثرى غريب يبعد عن "باب الهوى" ألوف الكيلومترات، كما كان بحاجة إلى عبدالحليم خدام ومصطفى طلاس وغيرهما من هذا اللون المذهبي لتبرير مذابح "حماة" عام 1982، وللدخول إلى لبنان وحكمها بالحديد والنار أكثر من ثلاثين عاماً، لكن كان لابد من إزاحتهم جميعهم وإزاحة غيرهم من طريق مَن شاءت الأقدار أن يكون وريث هذا النظام الذي انتهى إلى هذه النهاية المأساوية.

إن هذا ليس دفاعاً، عن حكمت الشهابي، رحمه الله، ولا عن عبدالحليم خدام، ولا عن مصطفى طلاس ولا عن غيرهم ممن قبلوا على أنفسهم أن يكونوا مجرد حجارة ديكورية طائفية ومذهبية لنظام مذهبي وطائفي ولفترة عابرة... إنه دفاعٌ عن الوفاء، إذْ إن أسوأ الأنظمة هي التي تمتص أعمار رجالها ثم تلفظهم كـ"بذور" البطيخ عندما تعتقد أنها لم تعد بحاجة إليهم، وأنها استطاعت أن تستبدلهم بمنْ سيأتي دورهم لـ"اللَّفظِ" والاستبعاد.