أدباء وكتاب في رثاء خالد عبدالكريم الميعان: لغوي وناشر خلّف إرثاً من المعرفة

نشر في 26-03-2013 | 00:02
آخر تحديث 26-03-2013 | 00:02
No Image Caption
عبّر الأدباء والأكاديميون في الكويت عن عميق حزنهم وأسفهم لوفاة د. خالد عبدالكريم الميعان، مقدمين خالص العزاء في فقيد الحقل الأدبي في الكويت، ممتدحين نتاجه المنوع في مجال اللغة العربية.
بحسرة شديدة وألم واضح تحدث د. وليد الرجيب عن الراحل، مؤكداً أن الكويت برحيله فقدت ناشراً وأكاديمياً قلَّ نظيره، لافتاً إلى نتاجه الأدبي المتميز، وأضاف: «كان لأبي تميم إنتاج علمي قيم، سواء كتب أم دراسات ومقالات، معظمها نشر في مجلة البيان التابعة لرابطة الأدباء في الكويت التي رأس تحريرها عامي 1996 و1997م، مثل كتاب «الذخائر والتحف» الذي ينسب إلى غير صاحبه، والذي نشره عام 1971م، و«التراث وقضية النشر» الذي نشر عام 1974م، و«مع ابن بابشاذ في شرحه للمقدمة النحوية»، وكتاب «شواهد الشعر في كتاب سيبويه» الذي صدر عن دار العروبة عام 1980م، وحقق الكثير من الكتب التراثية مثل «بسط الكف في إتمام الصف للسيوطي» بالاشتراك مع عبدالقادر أحمد عبدالقادر عام 1987م، و«المصابيح في صلاة التراويح» للسيوطي عام 1987م، والعديد من التحقيقات في التراث لعل من أهمها المعجم الضخم «تاج العروس» الذي تعاقب عليه العديد من المحققين العرب مدة ثلاثين عاماً، وانتهى منه عام 2001».

ويستطرد الرجيب متحدثاً عن أهمية بحوثه ودراساته، مشيراً إلى أن تحقيق التراث ليس من الأمور السهلة واليسيرة ويحتاج إلى فقيه لغوي، وكان الدكتور خالد فقيهاً وعالماً لغوياً مبرّزاً، بل من أبرز اللغويين العرب ولديه عشق خاص للغة العربية، وخرج خلال تدريس ثلاثين عاماً أجيالاً من قسم اللغة العربية.

وتحدث عن جوانب أخرى عن الراحل، قائلا: «بالتأكيد كان أحد هموم الفقيد هو نشر الثقافة، ولذا أسس دار ومكتبة العروبة التي قدمت خدمات جليلة للقارئ، وحوت عناوين جادة في الفكر والأدب واللغة والمعاجم، وقد كان يفكر منذ أكثر من عشر سنوات، بإقفال المكتبة لأنه كان يصرف عليها من جيبه الخاص، وكان مدركاً لصعوبة تحقيق ربح تجاري من بيع الكتب، لكن حبه للكتاب وللثقافة إضافة إلى تشجيع أصدقائه وقرائه جعله يبقي على المكتبة، ولم يكن من النوع الذي يسوق نفسه ومكتبته لمناقصات الوزارات الحكومية، وأصبحت دار العروبة من أهم المكتبات في الكويت».

اللحظات الأخيرة

بدوره، قدم الأديب حمد الحمد التعازي إلى أسرة الفقيد، مستعرضاً اللحظات الأخيرة في مشهد الدفن مستذكراً ما تركه الراحل من نتاج أدبي منوع، راصداً في مراسيم الدفن في المقبرة أحبته والأهل والزملاء والحزن مرسوم على الوجوه. ثم تحدث الحمد عن حادثة حريق مكتبة دار العروبة، قائلاً: «قبل أشهر وكان ذلك في شهر رمضان الماضي بعد الإفطار علمت باحتراق مكتبة دار العروبة، وهي المكتبة التي تعود للدكتور خالد، وقد تألمت وتألم  الزملاء والوسط الثقافي بما حدث وواسيناه»، وبعد فترة أجريت معه اتصالاً هاتفياً أواسيه وأتفقد أحواله، إلا أنني لم أتبين صوته المتعب، وتألمت أكثر عندما قال لي إنه منذ أكثر من أسبوع بعد حادثة الحريق وهو معتكف في منزله، لا يبارحه ولا يرغب في تناول الطعام وفقد عدة كيلوات من وزنه، وأوضحت أن الأمر قد يعود لحالة نفسية نتيجة ما حصل لمكتبته، وأن عليه عدم الانعزال وإنما الخروج، لأن الحال سيعود أفضل مما كان، وأن العزلة ليس الحل المناسب، وبعد فترة من الوقت سمعت خبراً آلمني كثيراً، وهو أن الدكتور خالد يرقد بالمستشفى وقد أصيب بمرض عضال، ووقع الخبر علي وعلى الزملاء كالصاعقة، وقد قمت بعيادته بالمستشفى في يوم آخر، وجلست معه، وكانت حالته النفسية جيدة، وتحدث عن  مراحل علاجه ومشروع لاستمرار مسيرة مكتبة العروبة حيث أوكل لقريب له الإشراف على المكتبة، وغادرت بعد أن تمنيت له الشفاء العاجل، وبعد ذلك لم أتمكن من عيادته لعلمي انه عاد لمنزله ويتردد على المستشفى لتلقي العلاج».

وفي حديث عن أهمية نتاجه الأدبي، قال الحمد ترك الراحل بصمة على رفوف تراثنا العربي، ومؤلم أن تغادر هذه الحياة بدون أن تترك بصمتك كإنسان، ولكن الدكتور خالد غادر وترك بصمة لا تمحى.

هدوء وتفوق

وعبر الأديب عبدالله خلف عن عميق حزنه لوفاة زميل وصديق عزيز في رابطة الأدباء وزميل دراسة، متتبعاً تفوقه الدراسي في مجال اللغة العربية، مستذكراً أبرز صفاته الإنسانية مشيراً إلى هدوئه وتفوقه، لافتاً إلى أهمية دراساته وبحوثه في اللغة العربية.

أما الكاتب طالب المولي فقد عبّر عن حزنه الشديد لوفاة د. خالد عبدالكريم، مستذكراً بداية علاقته فقال: «تعرفت على الدكتور الراحل وأنا على مقعد الدراسة في مادة النحو العربي، ومعه أتقنت هذه المادة التي أرقتني كثيرا لصعوبتها ولكنه كان خير معين لي في فهمها بعد أن قرأ علينا كتاب شرح ابن عقيل على شرح الألفية، ومعه بدأت بحفظ بعض الأبيات من ألفية ابن مالك، ثم حاولت التقرب منه لأتعلم المزيد والمزيد مما يتقنه هذا الأستاذ الكبير، فكنت أقتنص الفرص للجلوس معه في مكتبه فكانت أحاديثه الرائعة لا تُمل، ورآني ذات يوم في أحد الأروقة في كلية الآداب وطلب مني مرافقته لمكتبته، وعرض عليّ اختيار ما أشاء من كتبه الموجودة في مكتبه الخاص بالجامعة، فاستغربت هذا الأمر وسألته عن السبب فقال: تقاعدت من التدريس في الجامعة لكي أتفرغ للمشروع الثقافي عبر مكتبة دار العروبة».

وتابع المولي: «لم أنقطع وقتها عن المكتبة ولا عن كتبها القيمة التي نقلتني من حياة رتيبة ومملة إلى عالمه الجميل والزاخر بالمعرفة بين طيات الكتب التي تزدان بها المكتبة، آلمني خبر وفاته كثيراً لفقدان إنسان لم يُخفِ قلقه الدائم من تدهور دور المعرفة والثقافة في حياتنا وانحدار المستوى الثقافي في الكويت وشكواه المستمرة من مقص الرقيب، صحيح أنه رحل جسداً ولكنه باقٍ روحاً ومعرفةً، كما أتمنى أن تبقى مكتبة دار العروبة مفتوحة لتتحدث دوماً عن دوره الرائد للثقافة في دولة الكويت».

دروس في الإنسانية

وفي مفتتح حديثه، أكد الشاعر عبدالله الفلاح أن الراحل قدم دروساً في الوعي للراغبين، مكرساً جهده لغرس القيم الإنسانية، فكان يشع محبة محتضناً أجيالاً علمها كيف يكون إنساناً قبل الألف وبعد الياء، علم الإنسان كيف يعيد تشكيل ذاته «إنسانياً» بمحبة.

وأضاف: «على هذه الدولة أن تصحو، أن تقوم من سباتها الطويل الذي يقدم للآخرين أكثر مما يستحقون ويتجاهل أبناءه، وإن قدم فيقدم لهم أقل مما يليق بهم، لذا على مؤسسات الدولة أن تصحو من سباتها وأن تقدم ما يليق باسم الدكتور خالد الميعان».

وختم حديثه قائلا: «لدي يقين أن الكبار لا يرحلون».

العالم المظلوم

أعرب الدكتور خليفة الوقيان عن حزنه العميق لوفاة الدكتور خالد عبدالكريم الميعان، مستذكراً مناقبه وأهمية نتاجه الأدبي. وفي ما يلي نص شهادته بالصديق والزميل:

"يصعب عليَّ تصوّر غياب أخي وصديقي وزميلي الغالي الدكتور خالد عبدالكريم الميعان، العالم الجليل والإنسان النبيل. ولكن قدرنا أن ندفع ضريبة بقائنا على قيد الحياة، فنودع أحبتنا واحداً تلو الآخر. وحبيبنا خالد نموذج فريد من العلماء المحققين الكبار على المستوى العربي، وشهرته في تحقيق التراث تتجاوز الكويت.

ويكفي خالد فخراً أنه أنجز مراجعة تحقيق أجزاء عديدة من معجم تاج العروس، واستدرك على كثير من المحققين المعروفين ما فاتهم أو اعترى تحقيقهم من زلّات.

أما خالد النحوي فيبدو أنه تسلل من زمن الخليل بن أحمد وسيبويه والأخفش والكسائي ومن هم في حكمهم من النحويين واللغويين وأعلام التراث، وما كان له أن يدرك تلك المنزلة العلمية لو أنه اكتفى بما يكتفي به كثير من مجايليه عادة.

وأحسب أنه تأثر بأستاذنا العلامة محمود شاكر، فأكبّ على المصادر الأساسية في التراث العربي، ونهل منها، وغاص في أعماقها. لقد أعطى خالد العلم الجهد والوقت فوهبه العلم القدر الذي يستحقه من التميز والاقتدار.

إنه حالة علمية نادرة في هذا الزمن الذي يتعجل فيه الناس اقتطاف الثمار دون أن يبذلوا الجهد المستحق.

والدكتور ثروة وطنية، ويحق للكويت أن تفخر بأنها أنجبت عالماً ذائع الصيت لدى أهل الاختصاص، وإن لم يدرك أبناء وطنه قدره الحقيقي.

لقد ظلم الدكتور خالد في حياته، ظلمته جامعة الكويت التي عمل فيها استاذا لمادة النحو، كما ظلمه المجلس الوطني للثقافة الفنون والآداب حين عمل لديه مستشاراً للتراث. وكان جزاؤه لدى هاتين المؤسستين كجزاء سنمار أو كجزاء الشماخ لناقته: إذا بلغتني وحملت رحلي/ عرابة فأشرقي بدم الوتين.

والآن. أتمنى على الدولة ممثلة بمجلس الوزراء أن تعتز بابنها العالم المحق الدكتور خالد عبدالكريم الميعان فتطلق اسمه على أحد الشوارع. كما أتمنى على وزارة التربية أن تسمي إحدى المدارس باسمه، كما نتوقع قيام جامعة الكويت بتكريمه من خلال اطلاق اسمه على إحدى منشآتها.

وبعد فسوف تبقى يا خالد – كاسمك- خالداً في ضمائر محبيك وعارفي قدرك.

back to top