لأول مرة أعرف أن هناك لقباً ومسمى لهذه المهنة التي تقوم على إمتاع وتسلية وإسعاد الملوك والأمراء والمشاهير من رجال الاقتصاد والسياسة والمال، ففي زيارتي إلى قصر "البوليسدن لاسي" وأراضيه الواقعة على تلال منطقة ساري الممتدة حتى دوركنغ، يقع هذا القصر المبني على الطراز الادواردياني السائد في وقت بنائه، والمحاط بأراضيه الشاسعة التي تساوي مساحة مدينة وتعادل 1،400 أيكر، أي ما يساوي 5.6 كيلومترات مربعة من السهول والتلال والغابات المسكونة بأعداد كبيرة من الغزلان والسناجب والأرانب ومختلف أنواع الطيور والفراشات، هذا المكان الرائع الذي يحبس الأنفاس من شدة الانبهار بعنفوان الطبيعة وجمالها الساحر الآسر، كله كان ملكا لامرأة كانت مهمتها على مدى 30 عاما إسعاد وتسلية مشاهير عصرها، وليس لها أي هدف من ورائه غير الإمتاع والإسعاد والفرفشة، وحياتها بحد ذاتها حكاية أخرى إلى جانب جبل الحكايات والأسرار التي دارت في ربوع هذا المكان، وبين جدران قصره المصمتة، فمن هي هذه المرأة الفريدة في لقبها وعصرها؟ 

Ad

اسمها الأصلي مارغريت وليم ماكوين، الابنة غير الشرعية للملياردير الكبير مالك مصانع البيرة في اسكوتلندا، فحين حملت بها أمها تزوجت عاملا في مصنع البيرة الذي تعمل به لتخفي فضيحتها التي كان يثرثر بها عمال المصنع، مما اضطرها الى ترك المصنع والذهاب إلى لندن هربا من الأقاويل، وعندما أصبحت مارغريت بعمر 21 سنة اعترف الملياردير وليم ماكوين ببنوتها، وتزوج أمها بعد وفاة زوجها العامل.

أشركها والدها الملياردير في إدارة مصانعه وممتلكاته خاصة أنه بات عضوا في البرلمان الإنكليزي، وبعد وفاته أورثها جميع أمواله فهي ابنته الوحيدة، يعني حكاية سندريلا تتكرر فيها، وهذه سندريلا ذكية ماكرة وكان من الصعب عليها دخول المجتمع الأرستقراطي الإنكليزي بأصل أمها الخادمة وكونها ابنة غير شرعية حتى وإن باتت ثرية فهي لا تنتمي إلى أرستقراطية لندن المترفعة، فبذكائها تمكنت من الزواج ببارون أرستقراطي مفلس ودخلت في حلقة المجتمع المخملي الباذخ، وأصبح اسمها مارغريت جرفيل تبعا لاسم زوجها البارون رونالد هنري جرفيل.

وبدأت ترتقي سلالم الشهرة والمجد بعد صداقتها مع الملكة ماري وكل أطراف الوسط الملكي، وكان بيتها في لندن ملتقى النخب الإنكليزية والعالمية وحفلاتها تضم الأمراء ومشاهير رجال المال والسياسة والفن، ثم قررت أن تشتري قصراً خارج لندن مما يتيح حرية أكبر وسرية في اللقاءات بعيداً عن عيون الصحافة وآذان التجسس ومطبخ الإشاعات، فكان قصر بوليسدن لاسي بأراضيه الشاسعة خير مكان لمتع العشاق، ولحياكة الأسرار السياسية بعيداً عن مجسات الالتقاطات الفضائحية.

في هذا المكان أمضى الملك جورج السادس والملكة اليزابث -أم الملكة الحالية- إجازة شهر العسل، وأيضاً دوق ودوقة يورك أمضيا شهر عسلهما فيه.

هذا المكان كل سنتيمتر فيه يضم أسراراً عظيمة وخطيرة بس لو نطقت جدرانه، آه كم ستتغير أمور في سجلات هذا العالم، وليس بعيداً عن أن تكون هناك أمور تخص منطقتنا، ففي هذا المكان أقام تشرشل اجتماعاته، وغيره من القواد السياسيين الذين رسموا خريطة وأقدار العالم وهم يتمتعون بحفلات التسلية وقائمة الطعام الفرنسي التي كانت تقدم على طاولتهم.

مارغريت جرفيل أو بحسب اسم الشهرة مسز روني التي ولدت عام 1863 وماتت في 1942، جمعت في قصرها تحفا ولوحات وفضيات نادرة وكلها موجودة في القصر الذي أنجز ديكوراته مهندس فندق ريتز، كما طلبت أن تقام في القصر صالة مهراجا كلها من الذهب الخالص، التي تصعق الرائي حين يراها.

ذهبت مارغريت ولم تأخذ معها أي شيء، وأورثت مجوهراتها للمكة اليزابيث الأم، ومازالت مجوهراتها ترتديها الأسرة المالكة بما فيها الماسة الشهيرة تيارا التي كانت للملكة ماريا أنطوانيت، وتركت مليوني جنيه لمارغريت شقيقة الملكة الحالية، ومثل هذا المبلغ للملكة أوجيني ملكة إسبانيا ووزعت باقي ثروتها بكرم على جميع خدامها فهي كانت متعاطفة معهم، ولم تنس نشأتها في هذا الوسط.

ماتت مؤنسة العظماء دون أن تخلف وريثا يرثها، ودفنت في ساحة القصر بالقرب من مقبرة كلابها الـ17، وتركت في وصيتها مليون جنيه لجمعية رعاية الكلاب حتى ترعى كلابها الأحياء.