عداء النظام الحاكم في مصر للقضاء بوجه عام، ولمجلس الدولة  والمحكمة الدستورية بوجه خاص، هو عقيدة لدى نظام يريد أن يحكم حكما مطلقا، لا مكان فيه لمبدأ الفصل بين السلطات، حيث تتركز كل السلطات في يد فرد واحد هو رئيس الجمهورية، وقد خفف من حدة العداء للقضاء العادي عزل النائب العام المستشار. د.عبدالمجيد محمود، وتعيين المستشار طلعت عبدالله نائبا عاما جديدا، متخطياً كل من يسبقونه في الأقدمية، ومتجاوزاً المجلس الأعلى للقضاء، ومهدرا استقلال القضاء، الأمر الذي اطمأن معه النظام إلى استحالة تحريك أي دعوى جنائية تمس جماعة أو رموز النظام، فضلاً عن أن الرئيس يملك في النهاية سلطة العفو الرئاسي، واعتقاده أنها سلطة مطلقة له.

Ad

أما العداء لمجلس الدولة والمحكمة الدستورية فقد كان شديدا، ذلك أن مجلس الدولة هو قضاء المشروعية، الذي يراقب كل القرارات الصادرة من السطلة التشريعية، بل إنه تجرأ وتجاسر على إبطال تشكيل الجمعية التأسيسية الأولى، التي كان لحزب الحرية والعدالة الأغلبية المطلقة فيها، ورفض وقف تنفيذ حكم المحكمة الدستورية، بإبطال قانون الانتخابات وإبطال مجلس الشعب الذي كان يسيطر عليه كذلك حزب الحرية والعدالة.

وقضاء المحكمة الدستورية، هو قضاء الرقابة على دستورية القوانين، والذي استطاع من خلال هذه الرقابة، حل مجلس الشعب المذكور، والقضاء بعدم دستورية قانون العزل السياسي، الذي أصدره هذا المجلس قبل حله، والذي أتاح للفريق أحمد شفيق دخول سباق الرئاسة.

ولهذا حاصر أنصار النظام مجلس الدولة، كما حاصروا المحكمة الدستورية، ومنعوا قضاتها من أداء رسالتهم السامية، كما وضع النظام دستوراً يحجّم هذه المحكمة ويقلّص دورها ويعزل قضاتها.

وهو ما يطرح سؤالا هاما يحسن أن تكون الإجابة عنه واضحة وهو:

 لماذا أبقت الجمعية التأسيسية وأبقى النظام على المحكمة الدستورية في الدستور؟

وفي اعتقادي، أنه لم يكن هناك ما يمنع الجمعية التأسيسية من أن تطيح بالمحكمة الدستورية، وأن يطرح الدستور في الاستفتاء، خلوا من المحكمة الدستورية ونظامها، وخلوا من الرقابة على دستورية القوانين، خاصة مع ما تردد قبل تشكيل الجمعية التأسيسية، من دعوة إلى توحيد القضاء، حملها بعض رجال القضاء العادي، الذين طالبوا بأن يستبدل بمجلس الدولة والمحكمة الدستورية دوائر متخصصة إدارية ودستورية.

ولا أعتقد أنه قد حال بين الجمعية التأسيسية واتخاذ هذه الخطوة أحكام المحكمة الدستورية التي وقرت في ضمير الشعب، والتي صانت أحكام الدستور ومبادئ الديمقراطية والحرية، ورسخت مبدأ المساواة ودافعت عن الحرية الشخصية والحريات العامة.

فقد كان هاجس الخوف الذي سيطر على هذا النظام، من أنه في غياب المحكمة الدستورية، سوف يستعيد قضاة مصر كلهم حقهم في الفصل في دستورية القوانين، وحقهم في الامتناع عن تطبيق القانون غير الدستوري، وهو الحق الذي كانوا يمارسونه قبل إنشاء المحكمة الدستورية، والذي قصره القانون رقم 83 لسنة 1989 بإنشاء المحكمة ودستور 1971 عليها وحدها.

أي أن التاريخ سوف يعيد نفسه عندما أصدرت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة بتاريخ 10 فبراير سنة 1948 حكمها الشهير الذي أقرت فيه حق المحاكم في التصدي لبحث دستورية القوانين واللوائح، معتبرة أن مبدأ الفصل بين السلطات يكون على الوجه المبين في الدستور، ومن بين ما قرره هذا الحكم "أن استعمال السلطات لوظائفها ينظمه دائما تعاون...". والمبدآن متلازمان يسيران جنبا إلى جنب، ويكمل أحدهما الآخر، وبغير ذلك لا تنتظم الحياة الدستورية، وأنه إذا أهدرت إحدى السلطات أي مبدأ من مبادئ الدستور فإنها تكون قد خرجت على دائرة المجال المحدد لاستعمال سلطاتها، مما يقطع بأن التزام كل سلطة من تلك السلطات بمبادئ الدستور هو خير الضمانات لإعمال مبدأ الفصل بين السلطات، بل لدعم البنيان الدستوري جميعه.

وأنه يتعين على المحكمة عند تعارض القوانين أن تفصل في أيها هو الواجب التطبيق، وأن تطرح القانون العادي وتهمله وتغلب عليه الدستور بحكم السيادة التي يسمو بها الدستور على سواه من قوانين ولوائح (مجموعة أحكام القضاء الإداري ـ السنة الثانية ص 315).

وشايع القضاء العادي قضاء مجلس الدولة.