شكلت الفرصة التي وفرها القدر للشيخ سيد بلقاء أحد أساطين الموسيقى العربية؛ الشيخ زكريا أحمد، منعطفاً في مجرى حياة ضرير «الناصرية»، فمكاوي الذي حرص على حفظ ألحان الشيخ زكريا وأغانيه منذ عرف حلاوة المغنى، أدرك أن ليلة الحفلة التي غنى فيها إحدى أغاني الآنسة أم كلثوم من ألحان زكريا أحمد بالذات، وفي حضوره، ستكون الأكثر تأثيراً في ما يستقبله من أيام.

Ad

 وبعدما انتهى الشيخ زكريا من وصلته الغنائية والتي لاقت تجاوب جميع الحضور بما فيهم الشيخ سيد ذاته، جلس بعيداً منفرداً عن الحفل، ولم يكد يعرف الراحة حتى أسرع يطلب مجيء الشيخ سيد، الذي كان يخشى أن يعنفه الشيخ زكريا على تلاعبه بمقام اللحن، لذلك ذهب بقلب وجل إلى حضرة الأستاذ، ودار بينهما حوار:

 = أهلا يا شيخ سيد إزيك.

* أولاً أرجو السماح والمعذرة عما ارتكبت في حقك من غلط.

= لا يا راجل ما فيش غلط ولا حاجة... أيدك واقعد.

* لن أغفر لنفسي حتى تغفر لي.

= أنت مكبر الموضوع ليه... أنت غنيت أغنية من أغنياتي وقولتها حلو.  ما كنتش هسامحك ولا هأغفر لك أبداً لو كنت قولتها وحش.

* دا عطف كبير أنا ما ستحقهوش.

= لا يا شيخ سيد أنت تستحق كل خير... بس قولي أنت ليه طولت المقام في الغصن. التالت... عند «يا رب خللي النعمة تدوم».

* أنا بعتذر.

= لا أنا عايز أعرف ليه

* أقول لحضرتك.. بس أوعى تقول للشيخ زكريا أحمد.

= هاهاها. لا مش هقوله.

* حبيت أبين بس ملكات صوتي شوية... لكن رجعت تاني للمقام على طول.

= أنت عارف دا مقام إيه يا شيخ سيد.

* دا مقام الهزام. أنا لاحظت أن لكل غصن لحن مختلف.. ومقام جميع الأغصان هو الهزام، وفي الغصن نفسه لقيت البيتين الأولانين بيختلفوا في اللحن كل مرة، أما البيت التالت في كل غصن فيرجع للحن الأصلي، ودا بيبان في «من كل صحبة، وفي كل مهجة، ويعود صفانا»، وبعد اللحن يدخل الغنا. والأغنية دي طورت شكل الطقطوقة عن الشكل اللي قدمه داود حسني لأن جميع الأغصان تنتهي بلحن، لكن نهاية الغصن مش جزء من المذهب، المذهب هنا مستقل وكامل.

= أنت هايل يا شيخ سيد. أنت درست في معهد الموسيقى.

* لا.. أنا لسه هاوي.

= أمال عرفت الحاجات دي منين؟

* من حفظ القرآن الكريم. وكمان سمعت كتير من غير مبالغة آلاف الألحان.

= لا دا أنت حكاية كبيرة يا شيخ سيد. لازم نتقابل تاني

* يا ريت... لأن عندي أسئلة كتيرة وحاجات طالب فيها النصيحة من حضرتك

= خلاص نتقابل بكره.

انصرف الشيخ زكريا أحمد وترك الشيخ سيد مكاوي، حيث ظل الأخير جالساً مكانه غير مصدق ما جرى، لم يصدق أنه غنى فنال كل هذا الاستحسان، وسمعه الشيخ زكريا أحمد وأعجب بصوته وعزفه، لم يصدق أنه جلس وتحدث إليه، وفوق كل ذلك بينهما موعد في اليوم التالي.

ظل إسماعيل ومحمود رأفت يتحدثان إلى الشيخ سيد طيلة الطريق، فيما هو صامت لا ينطق، جسده معهما، بينما عقله مع الشيخ زكريا، وما دار بينهما، وما سيقوله له غداً.

شهادة النجاح

شعر الشيخ سيد أنه حصل على شهادة اعتماده كمطرب بعدما سمع رأي الشيخ زكريا أحمد فدخل للمرة الأولى حي «الناصرية» والحارة التي يسكن فيها، وهو يمسك بالعود في يده، كمن يعلن على الملأ وأمام الجميع، شرف اتخاذه الفن مهنة له، بعدما كان يخشى مجرد أن يمسك به ويمشي به في الحي أمام أهله، خوفاً من اتهامه بأنه «مغنواتي». لم يعد يهتم باتهامات من أيّ نوع، أو مقاطعة البعض له من أهالي الحي، بل ويشرفه أن يعلن عن نفسه كمطرب بينهم.

قبل الموعد المحدد، كان الشيخ سيد مكاوي يجلس في مقهى «ريش» الشهير في شارع «سليمان باشا» في وسط القاهرة، الذي اعتاد أن يجلس فيه الشيخ زكريا أحمد ليتناول قهوته، مر وقت طويل قبل أن يأتي «فلفل» النادل ليخبر الشيخ سيد أن الشيخ زكريا أحمد في انتظاره على الطاولة الخاصة به، التي اعتاد أن يجلس إليها:

= أهلا شيخ سيد... اتفضل.

* أهلا بك يا أستاذنا والله أنا مش مصدق نفسي أني نلت الشرف الكبير دا.

= اقعد يا شيخ سيد... تشرب إيه... أنا هخود قهوة.

* يبقى زي حضرتك.

= أنت منين يا شيخ سيد.

* من حي الناصرية... جنب الست أم هاشم مدد يا ست.

= مدد يا ستنا. علشان كدا أنا برضه قلت الأصالة دي مش من بعيد.

* تلميذك يا أستاذي.

= لا صحيح. أنا لما سمعت صوتك إمبارح حسيت فيه بأصالة فكرتني بشبابي.

* يا خبر أبيض... دا شرف ليا يا أستاذ.

= بس لازم بقى يا أبو السيد تتعلم.

* قصد حضرتك إني أدخل المعهد.

= شوف... تدخل المعهد... تتعلم بره المعهد... المهم تتعلم

* ودا اللي كنت عايز أكلم حضرتك فيه... أنا حاسس زي الغرقان في بحر... صحيح هو البحر مليان عسل... بس برضه في النهاية بحر. مش عارف أرسي على بر... يعني من الآخر مش عارف رأسي من رجليا.

= أيوا ما أنت لازم ترسى على بر عشان تعرف أنت عايز إيه.. وعايز تروح فين

* أنا اتولدت لقيت كل الناس حواليا بتغني... البياعين، الستات في البيوت، الرجالة على القهاوي، وفي الشارع بتاع الروبابيكيا بيغني، بتاع العرقسوس والسوبيا، المسحراتي، حتى الناس اللي بيمشوا في الشارع يسألوا لله..بيغنوا... علشان كدا نفسي أعمل مزيكا لكل دول.

= أنا وصلني اللي أنت عايز تقوله... شوف يا عم سيد. باختصار كدا، عليك وعلى الشيخ سيد درويش... هتلاقي كل اللي بتدور عليه عنده... سيد درويش هو البر اللي لازم ترسى عنده... وكمان الأهم لازم تشوف طريقة تعرف تقرأ بيها النوتة.. وتعرف إزاي بتنكتب. علشان تقدر توصل بسرعة للي أنت عايزه.

خرج الشيخ سيد مكاوي من هذا اللقاء بكثير من الدروس المستفادة، التي كانت بمثابة بوصلة له في تحديد اختياراته، عرف ماذا يريد؟ وإلى أين يسير، فقرر اتخاذ عدد من القرارات المهمة بشأن مستقبله الفني.

القرار الصعب

بعد تفكير طويل قرر الشيخ سيد بشكل نهائي، أن يحترف الغناء بصورة كاملة، يتفرغ لدراسته، وفي الوقت نفسه يكسب منه قوت يومه ما يعينه وأسرته على العيش، خصوصاً أنه العائل الوحيد لها، كان من الصعب عليه أن يتعلم كتابة وقراءة «النوتة الموسيقية» وهو كفيف، إلا عبر طريقة واحدة، وهي طريقة «بريل» وهي طريقة كتابة ليلية لها أبجدية خاصة عبارة عن نقط بارزة، اخترعها الفرنسي لويس بريل، كي يستطيع المكفوفون القراءة، حيث تكون الحروف بارزة على الورق، ما يسمح لهم بالقراءة عن طريق حاسة اللمس.

 فكان لا بد من أن يتعلم الشيخ سيد طريقة بريل أولاً ثم دراسة النوتة الموسيقية بشكل منفرد وكيفية كتابتها، غير أنه ما إن انتهى من تعلم الكتابة بطريقة بريل، واجهته صعوبة أخرى كان لا بد من أن يتغلب عليها:

= يعني إيه مش فاهم؟

* يعني ما ينفعش يا أستاذ إسماعيل أكتب نوتة بطريقة بريل دي.

= ليه يا شيخ سيد؟

* لأني علشان أكتب اسمي مثلا. عايز مساحة أد متر مربع... فما بالك علشان أكتب نوتة موسيقية.

= طب وبعدين. يعني زي ما بيقول المثل... {كأنك يا أبو زيد لا رحت ولا جيت}.

* لا مين قال كدا. المهم أني اتعلمت كتابة النوتة... لكن ممكن أملي حد تاني يكتب الخواطر دي زي ما أنا عايزها.

اجتاز الشيخ سيد المرحلة المهمة في تعليم كتابة وقراءة النوتة الموسيقية، بقيت المرحلة الأهم وهي الالتحاق بالمعهد الملكي للموسيقى العربية، كان عدد الموسيقيين والمطربين في ازدياد، خصوصاً من الأجيال الجديدة التي حرصت على دراسة النوتة الموسيقية وصقل مواهبهم بشكل علمي، غير أنهم على رغم ذلك بلا حماية أو غطاء قانوني يحتمون بمظلته، وهو ما كان يؤرقهم جميعاً، خصوصاً بعد حالات عدة شاهدوها بأنفسهم من كبار الموسيقيين والمطربين، انتهت نهايات مؤسفة، وليس أدل على ذلك ما حدث منذ عهد قريب بالموسيقار والكاتب والمفكر كامل الخلعي، الذي رحل في عام 1931، والذي تتلمذ على يديه كثيرون، ربما أبرزهم الموسيقار محمد القصبجي، فضلا عن كثير من المؤلفات الموسيقية والكتب، وانتهت به الحال لأن يعمل في نهاية حياته كماسح للأحذية حتى يأكل، ويرحل من دون أن يشعر به أحد بعدما دق الفقر عظمه.

لهذه الأسباب اهتدت الآنسة أم كلثوم إلى فكرة تجمع فيها شمل أبناء المهنة، فطلبت عقد اجتماع مع كل الموسيقيين والعازفين الذين يعملون في مجال الموسيقى والغناء وكانت تتابع نشاطهم اليومي.

كان هذا الاجتماع في مطلع عام 1942 حيث تسابق على حضوره كل الموسيقيين المحترفين ووصل عددهم في هذا الاجتماع الأول إلى مئة وستين موسيقياً وملحناً وموزعاً من جميع الفرق الموسيقية في مصر، وعرضت أم كلثوم عليهم في هذا الاجتماع فكرة إنشاء أول نقابة حكومية للمهن الموسيقية من المصريين، ترعى مصالحهم مادياً وصحياً واجتماعياً.

رحب الجميع بهذه الفكرة وأشادوا بها، خصوصاً أنها تضم الموسيقيين المصريين فقط، فقد كانت القاهرة والإسكندرية تعجان بالموسيقيين الأجانب الذين يعملون في الملاهي الليلية والفنادق والكازينوهات، لذا وافق الجميع على اقتراح أم كلثوم أن تكون النقابة خاصة بالمصريين فقط، ولقي هذا القرار استحساناً كبيراً لدى كل العاملين في مجال الموسيقى والغناء والتفوا حول أم كلثوم وساندوها لأجل إنشاء نقابة خاصة بهم تتبع الحكومة المصرية لرعاية شؤونهم؛ بعيدا عن النقابات الأهلية التي كانت منتشرة ومتفرقة وضعيفة وسرعان ما تفشل وتدور فيها منازعات ومشاكل ومعارك بين الأعضاء ولا تحكمها لائحة تنظم عملها، وجاء اليوم الموعود لعقد الاجتماع الرسمي الموسع وحدد له يوم 11 نوفمبر عام 1942 وجمعت فيه أم كلثوم فرقتها الموسيقية بقيادة عازف القانون الأول محمد عبده صالح وأعضاء الفرق الموسيقية الأخرى من المصريين فقط، لتكون النقابة مصرية مئة في المئة.

أم كلثوم نقيبة

أسفر الاجتماع عن تأليف مجلس إدارة نقابة المهن الموسيقية من السادة:  الآنسة أم كلثوم إبراهيم، السيدة فتحية أحمد، الآنسة حياة محمد، والأساتذة: رياض السنباطي، الشيخ زكريا أحمد، محمد القصبجي، صالح عبد الحي، فريد الأطرش، عزيز عثمان، إبراهيم حجاج، محمد عبده صالح، وأحمد الحفناوي. وأن يكون كل من عبد الحليم علي والسيد الحملاوي مراقبين ماليين لحسابات النقابة.

 وفي اليوم نفسه الذي تم فيه انتخاب المجلس، رأي الأعضاء جميعاً أن يستمر انعقاده ليلاً حتى يتم اختيار أو انتخاب رئيس النقابة، وبعد مناقشات مطولة من أعضاء المجلس واقتراح بعض الأسماء المرشحة لمنصب النقيب، اختار الأعضاء بإجماع الأصوات الآنسة أم كلثوم إبراهيم رئيسة لنقابة المهن الموسيقية المصرية، وكانت هذه الانتخابات قد جرت في سرية تامة بين الأعضاء ومن دون أيّ تأثير من أية جهة كانت، لتفوز أم كلثوم بمنصب أول نقيب للموسيقيين المصريين. حتى الذين لم يحضروا هذا الاجتماع توافدوا على النقابة يحملون باقات الورود والزهور ووزعوا  الحلوى على الحاضرين، والكل كان يهتف: عاشت نقابة المهن الموسيقية... عاشت الآنسة أم كلثوم.

لم ينته الاجتماع إلا بعدما أرسل الأعضاء الحاضرون برقية إلى رئيس مجلس الوزراء بتشكيل نقابتهم واختيار أم كلثوم رئيسة لها.

الامتحان

كانت هذه الخطوة لها عظيم الأثر في نفس الشيخ سيد مكاوي وشعر بأن الطريق أصبح ممهداً له ليأخذ علومه الموسيقية من معهد الموسيقى بشكل رسمي، ليساعده ذلك على احتراف الغناء، فتقدم لاختبارات القبول في المعهد الملكي للموسيقى العربية، فراح يستعد ويشحذ فكره وخبراته التي استمدها من آلاف الأسطوانات لكبار المطربين والموسيقيين على مدار السنوات الماضية، ليكون مؤهلا للقبول.

في الموعد المحدد، دخل الشيخ سيد مكاوي بصحبة العود، جلس بين أيادي اللجنة التي ترأسها مصطفى بك رضا؛ رئيس معهد الموسيقى، انتظر منهم الإذن، واحتضن العود ثم {دوزن الوتر الكردان}، ليكون جاهزا لأعلى طبقة صوتية يمكن أن يؤديها مطرب، وراح يستعرض مهاراته وقدراته في العزف والغناء، راح ينهل من تراث عبده الحامولي، كامل الخلعي، زكريا أحمد، ثم مسك الختام، حيث قدم إحدى روائع الشيخ سيد درويش، من كلمات رفيق دربه المبدع بيرم التونسي:

هتجن ياريت يا إخوانا مارحتش لندن ولا باريز

ده بلاد تمدين و نضافة وذوق ولطافة وحاجة تغيظ

مالاقيتش جدع متعافي وحافي وماشي يقشر خس

ولا شحط مشمرخ أفندي معاه عود خلفه ونازل مص

ولا لب أسمر وسوداني وحمص وأنزل يا تقزيز

ولا عركة في نصف الليل دايرة بالحيل وساحبها بوليس

قدامها جدع متجرجر وشه معور قال ده عريس

الخلق ما هي بتتجوز وأشمعنا إحنا مافيش تمييز

ولا واحدة في وش الفجر تبرطع مالية الدنيا صوات

قال أيه جوز خالتي أم أحمد سلفة أخوها السيد مات

سبحانك ما أعظم شانك والله الموت ده مفيد ولذيذ

ولا صايع طالع يجري وصايع تاني بيجري وراه

ويقول ها ها ع حصلتك يابن الأبصر أيه عاملاه

لا الشارع غيط يا إخوانا ولا إحنا بدارة ولا إحنا معيز

ولا حد يبيع حاجة يقول بريال وتأخدها بصاغ

يا إخوانا ده حتى الأبرة تاخدها بدوشة وقلب دماغ

حلفان وعراك ومناهدة ويمكن ضرب كفوف يا حفيظ

ولا فيش ميت ألف صعيدي هاجمين ولا فيش

ميت ألف معوض داعس جاي معاه صندوق ورنيش

والله كرهت القهوة وحرمت أقعد عالأفاريز

ولا شفتش ده اللي بلاسة وده اللي بعمة وده بطربوش

ملابسنا يا ناس تشكيلة تعد أصحابها ما يتعدوش

دول ناس كنا أحسن منهم قول ومسيرنا بإذن الله

نبقى أحسن منهم برضك بعد الدرس اللي أخدناه

والله ده عيب نتهجى دروس يا أساتذة على التلاميذ

كلما مر الشيخ سيد بشخصية من هؤلاء وقدم شيئاً من عملها، تبادل أعضاء اللجنة النظرات لبعضهم البعض، في حالة من الانبهار والدهشة مما يرونه، حتى شبعوا  تماما من فيض الشيخ سيد المتجدد،، فنقر أحدهم بالقلم فوق الطاولة في إشارة للتوقف، ثم بدأت مرحلة الأسئلة النظرية، ولم تقل دهشتهم أو انبهارهم في الأسئلة النظرية عن عزفه وغنائه، فقد وجدوا أمامهم شخصاً مسكوناً بالموسيقى والغناء، قديم وحديث، شرقي وغربي، لا ينطق إلا موسيقى، فاستوقفه رئيس اللجنة:

= كفاية يا بني لحد كدا

* تحت أمرك... عموماً أنا جاهز لأي سؤال أو عزف أو غنا.

= ما فيش داعي.

* أفهم من كدا أن حضرات اللجنة مقتنعة باللي قدمته.

= أنت اللي قدمته وقولته مش يخليك تقبل في المعهد.. لا بالعكس يخليك تكون واحد من أساتذة المعهد وليس طلابه.

* دا عطف كبير من حضراتكم... لا يكفي أمامه أي كلمات شكر.

= دي مش مجاملة.. أنا بقول الحقيقة... أنت كدا فعلا يا شيخ سيد.

* وأنا بشكر لحضراتكم قبولي بالمعهد.

= للأسف يا شيخ سيد إحنا ما نقدرش نقبلك في المعهد... لأن عزفك وصوتك ومعلوماتك الموسيقية تفوق بعض من أساتذة المعهد... ودا يخلينا نرفض قبولك

* أقدر أعرف السبب.

= هما سببين.. الأول خاص بالمعهد وأنا قلته لك... وهو إنك أكفأ من بعض أساتذة المعهد، أما السبب التاني فخاص بك.

* خاص بيا أنا؟!

= نعم سيكون من الظلم لك أن تضيع عامين أو أكثر من سنوات عمرك في دراسة، معلوماتك وقدراتك تفوقها، فأفضل لك أن تبدأ حياتك العملية مباشرة الآن وليس غداً.

- شوف يا بني أنت تطلع من هنا على أرض الشريفين على طول. تروح تقدم في الإذاعة المصرية وتمتحن... وأنا على ثقة أنك ستنجح كمطرب وكملحن... فأنت لا ينقصك شيء حتى تكون الاثنين معاً.

كطالب عادي، كان من المفترض أن يخرج الشيخ سيد مكاوي حزينا لأنه لم يقبل بالمعهد الملكي للموسيقى العربية، غير أنه خرج أكثر ثقة بنفسه وبفنه وبقدراته، خرج ومعه شهادة منطوقة من كبار الأستاذة في الموسيقى والغناء في القاهرة عاصمة الشرق، بأنه أفضل من كثيرين من أساتذة المعهد، غير أنه كان يحتاج إلى إعادة ترتيب أوراقه، ويعد نفسه مجدداً لاختبارات القبول في الإذاعة المصرية، التي تختلف عن اختبارات قبول المعهد، فإذا كان المعهد يتعامل مع المتقدمين لها على اعتبار أنهم طلبة علم لديهم موهبة يريدون صقلها، فإن الإذاعة تتعامل مع المتقدمين إليها على اعتبار أنهم من المطربين أو الموسيقيين المحترفين، كان الاختبار الأصعب ولا شك، ولكن الشيخ سيد قرر خوض التجربة.

(البقية في الحلقة المقبلة)