كانت احتفالية راقية وناعمة، وبأقل قدر من الصخب، تلك التي تمت في فندق شيراتون الكويت يوم 17 فبراير الفائت، وتم خلالها توزيع أيقونات تذكارية تحتفي بالمرأة المتميزة في شتى روافد العطاء. لم يكن الراعي لهذه الاحتفالية مؤسسة ثقافية عريقة أو واجهة رسمية ذات سلطة وبريق، وإنما جاءت المبادرة من باقة من الرعاة يعمل جلهم في التجارة و"البزنس"، ابتداءً من وكلاء مجوهرات ووكلاء مطبوعات إلى محلات عطور وبوتيكات حقائب وإكسسوارات نسائية.

Ad

 أنا شخصياً احتجتُ إلى بعض الوقت والكثير من الأسئلة لأستوعب مضمون هذه الاحتفالية ومن يقف وراءها، ومن ثمّ التأمل في مدى نجاح أولئك المنظمين في استقطاب تلك الشخصيات الاجتماعية المرموقة، سواء من تم تكريمهن من نساء أو من كان في معيتهن من أسر كريمة. بل إن ما يستدعي المزيد من التأمل هو آلية اختيار الشخصيات المكرَّمة، تلك الآلية التي بدت خارجة عن المسلمات والشروط التي اعتدناها في مسائل التكريم. فشرط السن لم يُقَم له كبير أهمية، والامتداد الزمني للتجربة الحياتية ليس هو الفيصل، وانتشار الاسم وشهرته قد يكون في أضيق حدود التخصص، إنما العبرة بالتميّز والخصوصية ليس إلا.

 هذا التوجه الجميل في اختيار المكرَّمات جعل منصة التكريم تحتفي بتشكيلة مبهجة من النساء المتميزات، اختلطت فيها أكبر النساء سناً ومكانة كالمحسنة الكبيرة السيدة رقية القطامي والراحلة الشيخة بدرية سعود الصباح مع أصغرهن سناً وأطراهن عوداً كلولوة الشملان بموهبتها الموسيقية اللافتة رغم كونها في حدود الحادية عشرة من العمر. ثم توالت باقة المكرمات على اختلاف أعمارهن وتجاربهن ومساهماتهن في شتى المجالات كالقانون والطب والأدب وتصميم الأزياء وإدارة الأعمال والإعلام والرياضة والفنون التشكيلية والأعمال التطوعية... إلخ (*).

 لعل هذه الاحتفالية الجميلة باتت تقنعنا بالدور المهم للمؤسسات الأهلية والخاصة في مسألة التنمية المجتمعية ورفدها بالألق والرعاية، وأن مشهداً كهذا المشهد الإنساني النبيل لم يعُد مقتصراً على رعاية الدولة وأجهزتها الرسمية وموظفيها ووزرائها. بل كأني بتلك المؤسسات الأهلية أو الخاصة آخذة باقتراح ذوق آخر وشخصية أخرى أكثر مرونة وأقل تجهماً ترى من خلالهما مشاهد الحياة ووجوه الناس، وبشروطها ومقاييسها ذات المذاق الخاص.

 يحضرني هذا الهاجس الفكري حين أتأمل في مشاهد التكريم الرسمية عبر القنوات الحكومية، التي يبدو أنها مازالت إلى الآن تؤمن بأن للتكريم سناً قانونية مشروطة لا يجوز التنازل عنها تحت أي ظرف! فالمكرمون بجائزة الدولة التقديرية لا ينالون هذا الشرف إلا بعد الستين، إن لم يكن في سن أكثر تقدماً، وقد يزحف إليها البعض بـ"الويل تشير" أو العصا، أو يتسلمها ابن أو حفيد بالنيابة بعد رحيل المحتفى به أو مرضه. تشهد على ذلك قوائم وأسماء المكرمين عبر السنوات الماضية، وآخرها عبدالعزيز السريع وليلى العثمان ومحمد المنيّع. وبدا واضحاً لديّ (ضرورة!) تحقق هذا الشرط العمري لدى ليلى العثمان مثلاً، بعد أن تعاقبت عليها جهات التكريم في فترة قصيرة: المجلس الوطني ثم مجلة العربي ثم جامعة الكويت تباعاً، وكأن هذه الجهات لا علم لها بجهود الكاتبة ومساهماتها عبر السنوات إلا بعد بلوغها (السن القانونية للتكريم!).

 ولعل قليلاً من التأمل يقودنا إلى حقيقة أن معظم المكرمين بجائزة الدولة التقديرية يكونون قد انتهوا من رحلة عطائهم الثقافي أو الأدبي أو الفني منذ زمن بعيد، وأن السنوات المتأخرة لم تكن إلا سنوات راحة ودعة واستراحة محارب ليس إلا. وقلّ بينهم من يتوهّج بأعماله في سنواته المتبقية في رحلة العمر أو رحلة الإبداع، وتلك سُنة الحياة والأحياء. فليت المعنيين بالأمر يدركون هذه الحقيقة، ويدعون المحتفى بهم يتذوقون ثمرة عطاءاتهم قبل فوات أوان التذوق وأوان العمر.

* قائمة بأسماء الفائزات المكرمات:

 الشيخة بدرية سعود الصباح، السيدة رقية القطامي، د. بدرية العوضي، فارعة السقاف، مها البرجس، سارة أكبر، نجمة إدريس، شروق أمين، منى طالب، فريدة سلطان، سارة العتيقي، نورة سويح، بيبي الصباح ونوف المطوع، سعاد العذبي الصباح، لولوة الشملان، فيّ سلطان.