ينتسب الشاعر فرانك أوهارا الى الجيل الأميركي الذي يقابل لدينا من حيث المجايلة جيل الرواد. فهو مثلهم من مواليد 1926. ولكن ذاك الجيل لديهم لم يكن رائداً للحداثة، فقد سبقهم اليها جيل تي إس أليوت وإزرا باوند، بل هو جيل الانتفاض ضد تيار الحداثة الجدية، المتجهمة، الصارمة. جيل أميركي مئة بالمئة. يميل الى الدعابة، والسخرية التي تخلو من المرارة، أو المشبعة بها. والى استلهام لغة الشارع الأميركي، لا من حيث البساطة والعفوية، بل الدلالة أيضاً. كما يميل الى ضرب من الغنائية المرتجلة، وتداعيات الكلام الفكه، والمحاكاة الصحفية، والكثير من التصوير السوريالي.
هذه خصائص الشاعر فرانك أوهارا ذاته (1926-1966) الذي كان يحلو له أن يكتب الشعر كل يوم تقريباً. يكتب كل ما يخطر له، وأحسن قصائده تلك التي كتبها في ساعات الاستراحة من العمل، أو في طريقه مسرعاً الى مكان ما. قصائده جميعا لا تغادر مشاغل حياته، أفكاره، ومشاعره. وعادة ما تنطوي على رسالة تبليغ لأصدقائه، فهي وليدة محيط اجتماعي غاية في الحميمية. وبالرغم من أن له عدداً وافرا من المجاميع الشعرية المطبوعة، فإن الكثير من نتاجه لم ير النور الا بعد وفاته. لم يكن كثير الحماس للنشر، وكان ينشر فقط استجابة لطلب.في عام 1944 تخرج من المدرسة ودخل القوة البحرية في عز أيام الحرب العالمية الثانية. كان تطوعه أول خبرته في الحياة خارج البيت، فخبر الاستقلال الذي رغب به بعيداً عن هيمنة العائلة والمدينة الصغيرة. لقد فتن بحياة المدن الكبيرة وبأنشطتها الثقافية والفنية.في عام 1951 انتقل الى مدينة نيويورك وحصل على وظيفة في متحف الفن الحديث، حيث صار على مقربة من المجموعات الفنية يتأملها كلما أراد ذلك. ولعل المعرض الشامل الأول الذي رآه وتأثر به هو معرض للفنان ماتيس. بعدها صار يوزع اهتمامه بين الشعر والرسم. حياته دخلت مرحلة جديدة تماماً في نيويورك، ابتعد فيها عن أبويه وعن الانشغال بالموسيقى. توفي أبوه في فترة دراسته في هارفارد، وانقطع كل خيط بينه وبين أمه، التي أصبحت كحولية بعد وفاة زوجها.أصدر مجموعته الشعرية الأولى بعد سنة من وصوله مدينة نيويورك، التي كانت عاصمة العالم الثقافية آنذاك، تحت عنوان "شتاء مدينة". أصدرها غاليري تيبور، الذي رعى أعمال الجيل الثاني من التعبيريين التجريديين، من أمثال وليم دي كوننغ، جاسبر جونز، آندي ورهول، لاري ريفرز، جاكسون بولوك.حقق أوهارا نجاحا عاليا كشاعر وناشط في المتحف، وفي عام 1960 كان أصدر عدداً من الأعمال الشعرية ونظم عددا من المعارض. أصبح معروفاً على رأس حركة عرفت بمدرسة نيويورك الشعرية، التي تضم شعراء مثل جيمس شويلر وجون آشبري. على أن شعره كان يختلف تماما بكوسموبوليتيته التي تتصف بالانفتاح الاجتماعي، والحب الرفاقي، واحتضان الفن، والمدينة. وبالرغم من أن معظم شعراء نيويورك أصحاب ميل للدعابة، وميل للقصيدة القصيرة اليومية، فإن أحدهم لم يكن يفوق أوهارا في علاقة قصيدته بسيرة حياته الشخصية، واتساعها الى مدرسة البيتز، من أمثال ألين غينزبيرغ.قتل أوهارا في 25 يوليو عام 1966 بحافلة في زيارة له الى ساحل في جزيرة فاير، نيويورك. كان في الأربعين من العمر، وكان يحمل حقيبة بين أوراقها آخر قصيدة يقول فيها:لقد سقط، ولكنه حتى في سقوطهيبدو أعلى من أولئك الذين يحلقون في الشمس المألوفةأصدرت دار النشر Carcanet قصائد مختارة له في 233 صفحة، تضم 138 قصيدة:ورقةٌ من غصن التقطتها اليوم/ من قارعةِ الطريقتصرفٌ طفولي كما يبدو/ كمْ أنتِ كبيرة أيتها الورقةكيف لك أن تغيري لونكِ/ وأن تسقطي ببساطة!وكأنْ ما من شيءٍ / يسمّى كمالاً!أكثر استرخاءً أنتِ من أنْ تجيبي/ وأنا أكثر خوفاً من أنْ أُلحّلا تكوني عصابيةً، أيتها الورقة/مثل حرباء صغيرة.
توابل - ثقافات
الأميركي فرانك أوهارا
10-01-2013