يا مرحبا بالعنَّاب... "طلَّن" آذان إحماره...

Ad

إنه رجل يستحق كل هذا الحداء المُشتعل باللهفة وبالود، فالقرية التي يتفجر عند أقدامها نبع ماء نمير والتي تغرق في غابة جميلة وتنام في وادٍ وارف الظلال ينحدر من جبال بارتفاع جبال عجلون، ليس فيها دالية ولا شجرة زيتون واحدة، والشجرة الوحيدة فيها هي تلك الخروبة العتيقة الهرمة التي أعطت اسمها لإحدى "تلاع" المنطقة فأصبحت تعرف بتلعة "أم خروبة".

حتى الآن لاتزال غابة "العالوك" جميلة وكثيفة، رغم الرعي السرمدي الجائر ورغم المذابح البشعة التي يرتكبها الفحَّامون بحق أشجار معمرة تاريخية ربما هي أكثر أهمية من أعمدة جرش، ولكن هذه الغابة لا تعطي مما يعتبر فاكهة تغير طعم اللبن ومشتقاته وليس غير اللبن ومشتقاته سوى "النَّبق" واللوز البري "الهضيم" الذي بعد مضغه لا ينحدر نحو البلعوم إلا بعد عشرات الغصات والضغط على مؤخرة اللسان وإطلاق صليات من النحنحات المتلاحقة.

هناك على الضفة الجنوبية لنهر الزرقاء، الذي من منبعه في رأس العين في عمان إلى مصبه في نهر الأردن الخالد إلى الجنوب من دير علا يشكل ما يشبه هلالاً كبيراً حول العالوك وجبالها وأوديتها والقرى المحيطة بها. هناك على الضفة الجنوبية لهذا النهر العظيم الذي اغتاله الجهل والجشع وسوء التخطيط تقع "بصَّة أبو حُفْرة" التي كان زرع فيها بعض أبناء العشيرة بعض أشجار التين التي غدت مهملة فزحفت عليها أشجار الدفلى والعليق والدرمك وبات الوصول إليها مغامرة لا يقدم عليها سوى الرعاة الذين لا يخرجون منها إلاَّ "ودمايتهم إحمايتهم" وسراويلهم ممزقة وفي وجه كل واحد منهم ويديه طعنة برمح أو ضربة بسيف.

وفي الاتجاه الشرقي من قرية العالوك هناك نبع "الحوايا" يروي مجموعة من أشجار التين التي باعها أحد وجهاء العشيرة مع أرضها بحمارة صلماء مقطوعة الأذن ثم على امتداد الوادي ينطلق من تحت إبط قرية "صرُّوت" ليصل "مُغرقَّة إعطيفا" على نهر الزرقاء يقع بستان "السْحَارَّة" الجميل المتداخلة دواليه الجميلة مع أشجار التين والرمان المخصصة للاستهلاك المحلي ويقتصر تصدير ثمارها على قرية "المسرة" الأثرية المجاورة.

ولذلك ولكل هذا... فإن "أبو جبهة" الذي يتغنى أبناء وبنات قريتنا بـ"بطلَّة آذان إحماره" يعتبر موفد العناية الإلهية إلى هذه القرية، فهو يزودها في فصل الصيف بـ"سحاحير" قطوف عنب عجلون اللذيذة وفي فصل الشتاء بفجل "ساجب" الأحمر الذي "أوله منافع وآخره مدافع"، وفي فصل الربيع بإبر الخياطة وإبر الغز وبالمرْوحة والعنزروت و"مرمكة" وبالفتلة وفي بعض الأحيان بـ"حامض حلو" و"الجعجبان" و"زنود البنات"... والراحة.

كل أهل القرية يعرفون هذا الرجل العصامي المكافح واللطيف والأمين والصادق الذي بين قريته الواقعة في منطقة المعراض على السفوح الجنوبية-الشرقية لسلسلة جبال عجلون الشماء، وبين قريتنا مسافة نحو عشرين كيلومتراً كلها طلعات ونزلات... إنهم أي أهل القرية لا يعرفون اسمه وهم ينادونه بصفته "أبو جبهة"، ولكنهم يجمعون على تقديره ويتفقون على أنه يستحق الاحترام وأنه ابن عائلة من الفلاحين الأردنيين الطيبين الذين لم يتلوثوا ببعض القيم والعادات الرديئة!

... و... يا مرحبا بالعناب... "طَلَّن" آذان إحْمَارُهْ.