في انتظار ساعة "الصفر" التي قد تكون بعد يوم أو يومين أو ثلاثة أو أي لحظة، فإن هناك حالة ذعر حقيقي، لا في سورية وحدها، بل أيضاً في بعض دول الجوار كتركيا ولبنان وإسرائيل والعراق، كما أن هناك تحسبات ومخاوف في الأردن، ففي هذه الدول جميعها تكثر الأسئلة حول ما إذا كان الرد السوري على الضربة العسكرية المتوقعة سيكون يا ترى في اتجاه هذه الدول أو بعضها، وهل سترد القيادة السورية على الأميركيين وحلفائهم، وربما حلف شمالي الأطلسي أيضاً، بتوجيه صواريخها إلى الشعوب "الشقيقة" وإلى الدول التي تجمعها بالقطر العربي السوري "الأمة الواحدة... ذات الرسالة الخالدة؟!".

Ad

لقد هدد الرئيس بشار الأسد، وأيضاً كبار رموز النظام السوري، بأنه إذا تعرضت سورية للهجوم العسكري، الذي غدا متوقعاً في أي لحظة، فإن ردهم سيكون حرائق تشمل المنطقة كلها، وحقيقةً فإن هذا مثله مثل ذلك الرجل الجبان الذي لا يجد ما يرد به على منْ يشبعونه ضرباً وإهانات في شوارع وساحات قريته إلا بالعودة إلى أهل بيته، زوجته وأطفاله، ليشبعهم ضرباً لإثبات رجولةٍ كان قد افتقدها في اللحظة التي كان من المفترض أنْ يُظهر فيها هذه الرجولة.

إنَّ شوارع ومنتديات، وأيضاً منازل مدن وقرى الدول المجاورة لسورية، التي تنتظر الآن الضربة العسكرية المتوقعة كانتظار الشاة لسكين الجزار الذي اقترب من عنقها، تطفح بالأسئلة والتساؤلات عن طبيعة الردّ الذي هدد الرئيس بشار الأسد بأنه سيحرق به المنطقة كلها، وهل سيكون بصواريخ "سكود" التي بقي يذبح بها أبناء الشعب السوري ويدمر مدنهم وقراهم على مدى العامين الماضيين؟ أم سيكون بالأسلحة "الكيمياوية" التي "تمرْجل" بها على أطفال الغوطتين... الشرقية والغربية؟!

عندما هدد صدام حسين قبل مارس 2003 بأن أي هجوم عسكري على العراق سيؤدي إلى حرائق في المنطقة كلها وفي العالم، فإنه كان يقصد أن الشعوب العربية وشعوب الكرة الأرضية بأسرها سوف تنتفض انتفاضة رجل واحد، وأنها ستحرق الأخضر واليابس، وأنها ستدمر المصالح الأميركية والغربية رداً على هذا الهجوم، لكن هذا بالطبع لم يحصل أي شيء منه على الإطلاق عندما وقعت الواقعة واحتلت الجيوش الغازية عاصمة العباسيين وبلاد الرافدين كلها، وبعد ذلك عندما نُفِّذَ فيه حكم الإعدام شنقاً في صبيحة عيد الأضحى المبارك.

لكن ما هدد به الرئيس السوري وما توعد به كبار أركان نظامه هو أن الصواريخ التي بقيت تتساقط على المدن والقرى السورية وتقتل الأطفال وتشرد أبناء الشعب السوري في أربع رياح الأرض ستتجه إلى الدول المجاورة إذا نفذ الأميركيون الضربة العسكرية المتوقعة، وهذا يذكرنا بالمثل القائل "إنَّ منْ لا يقدر على الحمار يكبُّ شره على البرْدعة"... والسؤال هنا: هل فعلاً يعني بشار الأسد ما يقوله؟ وهل سينتقم من الشعوب الشقيقة لعجزه عن الردِّ على دول الضربة العسكرية المتوقعة التي غدت تحصيلَ حاصل؟!

والجواب هو أنَّ الكلام قد يكون سهلاً وبلا أيِّ ثمن، أما التنفيذ، وهذا في أغلب الظن يعرفه بشار الأسد معرفة أكيدة، فإن ثمنه سيكون فادحاً ومكلفاً، ويعني أن الهدف سيصبح ليس مجرد تأديب النظام السوري ومعاقبته حتى لا يكرر جريمته باستهداف أطفال شعب من المفترض أنه شعبه بالأسلحة الكيمياوية، بل التخلص من هذا النظام نفسه، ولذلك فإنه لا داعي لكل هذه الهواجس وكل هذه المخاوف، فهذا النظام في وضع لا يمكِّنُه من أن يقوم بمجازفة قاتلة كمجازفة الرد على الضربة العسكرية الأميركية باستهداف الدول المجاورة... إن هذه خطوة انتحارية من غير الممكن أن يقدم عليها نظام بشار الأسد، لأنه يعرف أنه إذا أقدم عليها فإنها ستكون نهايته المؤكدة المحتومة.