بدا واضحاً لجميع أبناء الأمة العربية أن يوم الأحد 30 يونيو 2013 لن يكون يوماً عادياً لا في تاريخ مصر ولا في تاريخ نضالات الشعوب الطامحة لنيل حريتها وكرامتها، وممارسة حقها المشروع في حياة ديمقراطية تجمع بين جوانبها كل أطياف الفكر والتوجه الإنساني.

Ad

يوم الأحد الفائت كانت مصر الحبيبة على موعد مع تظاهرة المعارضة المليونية العظيمة، التي وصفها البعض بأنها ثورة ثانية، لا تقل أهمية عن ثورة 25 يناير 2011. خرج أبناء الشعب المصري ليزلزلوا الأرض، ويشحنوا الفضاء بغضب أهازيجهم، مطالبين برحيل الحاكم، وطامحين لولادة جديدة لثورة مصرية جديدة. وهذا كله جرى وسط حالة من الانقسام لم يسبق أن عاشها الشعب المصري على مدى تاريخه. فلأول مرة في تاريخ مصر، يتربص المصري بالمصري، ويحمل الأخ الضغينة والسلاح ضامراً قتل أخيه!

جنون لغة الكره والعنف والنفي والدم والقتل أعلى بمرات ومرات من هدوء لغة الفكر والأدب والثقافة والفن. ومخطئ من يظن أن الدم يستطيع أن يهزم الفكر، والعنف الأعمى يمكنه الوقوف بوجه الحرية والسلام. قد ينزوي الفكر، وتخبّئ الثقافة وجهها الباسم، لكنهما أبداً لن يتخليا عن عشقهما لأرضهما وناسهما، ولن يكونا في منأى عن ولادة يوم مشهود، هو رهان الغد المؤمل.

مصر العروبة عاشت أياماً فاصلة في تاريخها، ولأن الأمر كذلك فإن الشعوب العربية برمتها من المحيط إلى الخليج عاشت معها ذاك المخاض. وكان الجميع يخشى حمام دم، يغذي حرباً أهلية بشعة، لكن حكمة أبناء مصر المخلصين وجيشها حالت دون ذلك.

الشعوب العربية اليوم تعيش مطحونة بحروبها ودمائها وضياعها، ووسط الحرب والدم والضياع لا مكان لترف القصيدة ولا لرفاهية الفيلم السينمائي، بل يغدو الحديث عن المسرح والرواية والقصة واللوحة التشكيلية ضرباً من مجافاة الواقع، وأقرب ما يكون إلى دفن الرؤوس في الرمال.

مأزق الكاتب والفنان المبدع في زمن الحرب، أن يعيش بائساً موزعاً بين الوجع والوجع، وبين التوقع والتوقع، وبين الأمل والأمل! كيف يمكن للقراءة أن تكون عزاءً، وكيف يمكن للكتابة أن تكون ملجأً؟

كيف لإنسان يرى بيته يشتعل، وينظر لأخيه يقتتل وأخيه، ومستقبل وطنه يلوح ملطخاً بظلمة السواد، أن يبقى محايداً، مكتفياً برصد وتسجيل ما يجري من حوله؟ أي دم بارد ذاك الذي يجعل المفكر والمبدع، يبتعدان عن ميدان الحياة المضطرب؟ ومن أين للمفكر والفنان أن يأتيا بجراءة النظر في عين الآخر، وهو يظن أنهما تخليا عنه، وخاناه لحظة تركاه يواجه مصيره لوحده. لكن نظرة متأنية لما حدث تبين أن خلف تظاهرة تلك الجموع المليونية فكراً منظماً ومخلصاً لمصر وسلام أرضها، فكراً إنسانياً استطاع أن يعبئ الجماهير ويحسن تسييرها بمظاهرة سلمية دون مظاهر عنف ووحشية.

إن تواري المفكر والكاتب والفنان والمثقف عن شاشة الحدث السياسي الدائر والمتغيّر، في أي مكان من العالم، لا يعني بأي حال من الأحوال ابتعاده عن قضايا وطنه، وتخليه عن مبادئه الإنسانية النبيلة. لكن دور الفكر والإبداع يتطلب بالضرورة الابتعاد عن الانفعال والتروي والنقاش والنظر إلى الأمور بمنظار مصلحة الوطن وجميع أبنائه والعدل والديمقراطية والمستقبل.

ليس من يوم يشبه آخر، لكن بعض الأيام منعطفات فاصلة وكبيرة في تاريخ الأمم، تؤرخ لما سيأتي بعدها، ومؤكد أن الـ30 من يونيو 2013، هو محطة كبيرة وعظيمة في التاريخ العربي الحديث، ولا أظنني مبالغاً إذا أشرت إلى أن نتائجه ستكون أهم لمصر العروبة ولأبنائها العرب من منعطف 25 يناير 2011، وأكاد أكون جازماً بأنه سيشكل علامة بارزة لجميع شعوب العالم!