المشهد الإقليمي كان محملاً بكثير من المفاجآت في الأسابيع القليلة الماضية، فبعدما كان التركيز كله على التغيير في سورية، جاء التغيير فجأة في دول أخرى، وآخرها في دولة ذات ثقل كبير كمصر التي أطيح بحكم رئيسها مرسي بعد مظاهرات شعبية عارمة تجاوزت حجم مثيلاتها ضد الرئيس حسني مبارك.
طبعا لست ساذجاً حتى أصدق أن الشباب وحدهم استطاعوا تحريك الملايين في حركة "تمرد"، وأجبروا العسكر على التدخل (مع عدم التهوين بحجم الإنجاز الذي حققوه)، فهناك حتماً قوى إقليمية دخلت على الخط وساهمت في هذا التغيير، لكن كل ذلك لا يعفي "الإخوان" من تحمل مسؤولية سلسلة أخطائهم الفادحة التي أدت إلى إنهاء حكمهم بسرعة بعد انتظار طال ثمانين عاماً.وأول تلك الأخطاء كان دفعهم بالأساس لمرشح للرئاسة، مخالفين بذلك وعودهم السابقة بعدم التقدم بمرشح، والاكتفاء فقط بنسبة معينة من مجلس النواب، وكان ذلك موقفاً حكيماً يتماشى مع متطلبات المرحلة وصعوبة قيادة البلد من دون سابق خبرة في ظل أزمة اقتصادية صعبة، لكن التراجع عنه أضر بمصداقيتهم كثيراً.وثاني الأخطاء كان دفعهم بمرشح غير مؤهل لمنصب الرئاسة كالدكتور محمد مرسي الذي أثبتت الأيام ضعف قدراته الإدارية وضعف قراءته للمتغيرات التي تجري حوله، هذا إضافة إلى خطاباته المثيرة للشفقة، والتي كانت محل تندر البرامج الفكاهية، مما ساهم في اهتزاز صورته في عين الناخب المصري.أمام أكبر الأخطاء فداحة كان الغرور ونشوة الفوز الذي اعتبروه تفويضاً سياسياً مفتوحاً يسمح لهم بإجراء تغييرات جوهرية وسريعة في بنية الدولة وكأنهم صنعوا الثورة وحدهم، مع أن الجميع يعلم أنهم التحقوا بها بعد أن صنعتها القوى الشبابية وأبرزها "حركة 6 أبريل". كما أن هامش فوزهم بالرئاسة كان بسيطاً جداً مع أن المنافس كان ممثلاً للعهد السابق، حتى هذا الفرق البسيط لم يكن فقط بجهد "الإخوان" بل بمساعدة العديد من القوى التي صنعت الثورة، والتي صوتت لمرسي لا حباً فيه بل بغضاً في منافسه أحمد شفيق. وهذه القراءة الخاطئة هي التي دفعتهم لمحاولة حرق المراحل وإجراء تغيير جذري بسرعة فائقة بدأ بإقالة وزير الدفاع ورئيس الأركان وإلغاء العديد من صلاحيات الجيش وصولاً إلى الإعلان الدستوري الذي أعطى مرسي فيه لنفسه صلاحيات أعلى من السلطة القضائية وإقالته للنائب العام، كل ذلك زاد من قناعة الكثيرين بأن "الإخوان" يريدون تطبيق نموذج دكتاتوري بحلة ديمقراطية. وزاد الطين بلّة تشكيل حكومة أغلبها "إخواني سلفي" متجاهلاً القوى الليبرالية والشبابية التي صنعت الثورة ورجحت كفته على شفيق، إضافة إلى محاولة تثبيت محازبيه "الإخوان" وحلفائه السلف في مؤسسات الدولة بشكل سريع على حساب الكفاءة، وأبرز مظاهر هذه المحاولة هو تعيين محافظ سلفي يعتبر الأهرامات أصناماً ومتورط بتفجيرات ضد السياح على محافظة الأقصر!والطامة الكبرى كانت رعايته ومشاركته لحفل "علمائي" غلب عليه الطابع التكفيري، وأعلن فيه بكل بساطة قطع العلاقات مع سورية خلافاً لموقفه السابق بإعادة فتح السفارة، ومحاولة إيجاد حل مع دول الإقليم للحرب القائمة هناك، وكل ذلك إرضاء لحلفائه لكسب تأييدهم ضد حركة "تمرد"، فمثل هذه التصرفات لا تليق برئيس دولة محورية في المنطقة مثل مصر.لقد تصرف "الإخوان" بالحكم وكأنهم ملاك الثورة وصانعوها على غرار الثورة الإيرانية، لكن المشهد الإيراني كان مختلفا تماماً عن المشهد المصري، فالإمام الخميني كان قائد الثورة ومحركها؛ ولذلك استطاع إجراء تغييرات واسعة فيها بسرعة لأنه كان يحظى بالتفاف شعبي عارم؛ ولذلك صمدت الثورة بالرغم من الضربات العديدة التي تلقتها مثل سلسلة اغتيالات رموز الثورة وتفجير مجلس النواب وخيانة أول رئيس منتخب أبوالحسن بني صدر، وبعدها اغتيال الرئيس رجائي ورئيس وزرائه باهونر، وفرض صدام والقوى الكبرى حرباً دامية طالت ثماني سنوات، بينما لم يكن يتمتع "الإخوان" بذلك التأييد كما بينا في بداية المقال، وكان حرياً بمرسي اتباع النموذج الأردوغاني في الحكم لأنه الأقرب إلى الواقع المصري. فأردوغان اهتم بالاقتصاد في بداية حكمه ليحصد مزيداً من التأييد الشعبي، ولم يبدأ بمحاولة تطبيق أجندته التي انتخبه الناس من أجلها مثل إلغاء حظر الحجاب من الجامعات وتقليل نفوذ العسكر على الحكم إلا بعد مرور 3 سنوات من ولايته. إن الإخوان معنيون بالهدوء حالياً واتخاذ وقفة جادة مع النفس لتقييم تجربتهم بكل صراحة وصدق، أما ردة الفعل العنيفة كما يجري حالياً فلن تؤدي إلا إلى مزيد من الانعزال وتوحد الخصوم ضدهم وتصاعد الأزمة في مصر.
مقالات
كيف أخطأ «الإخوان» في حساباتهم؟
11-07-2013