يسود انطباع على نطاق واسع مفاده أن تنظيم "الإخوان" يعمل على إعاقة وصول الفريق السيسي إلى موقع الرئاسة في مصر، عبر سلسلة من الأنشطة والممارسات الحادة، وهو انطباع في حاجة إلى مراجعة.

Ad

فعلى العكس من هذا الانطباع السائد، يمكن القول إن تنظيم "الإخوان" هو أكبر داعم لترشيح السيسي رئيساً، أو على الأقل هو الداعم الأول للأوضاع السياسية الراهنة في مصر، عبر تصرفاته الشاذة والمتخبطة والمتسمة بالغباء السياسي الشديد.

خلال السنة التي مارس فيها محمد مرسي، بمعاونة "أهله وعشيرته"، حكماً متخبطاً وعاجزاً ومفتقداً لأي قدرة على الإنجاز، ومن ثم الاستمرار، بدأ المصريون يتغاضون عن الكثير من أخطاء المجلس العسكري السابق، الذي حكم مصر في الفترة الانتقالية التي تلت إطاحة مبارك، وعادت علاقتهم بالجيش إلى ما كانت عليه على مدى العقود الستة الماضية، وربما أفضل. لقد انكشف للمصريين الكثير من الحقائق عن تفريط تنظيم "الإخوان" في الأمن القومي للبلاد، ورعايتهم لـ"الإرهاب"، واحتضانهم للجماعات الدينية المتطرفة، والتنسيق معها، وتقديم الدعم المادي والسياسي والأمني لحركة "حماس"، بشكل انعكس سلباً على المصالح الوطنية المصرية العليا. لقد أعادت التصرفات الشاذة لتنظيم "الإخوان" الاعتبار للجيش، بوصفه، رغم الاعتراف بأخطاء بعض قادته خلال الفترة الانتقالية، أفضل من يؤتمن على المصالح العليا للوطن

 ليس هذا فقط، لكن التجمعين غير السلميين في "رابعة العدوية" و"النهضة" كانا وبالاً على هذا التنظيم على عكس ما فهم كثيرون؛ ففي هذين التجمعين ارتكب أنصار "الإخوان" جرائم مكتملة الأركان، وأضروا بالأمن القومي المصري، وضربوا بمصالح الجمهور عرض الحائط.

وعندما قامت قوات الأمن بفض التجمعين غير السلميين، خرجت تصريحات قيادات "إخوانية"، على الهواء مباشرة، تشير إلى رغبة عارمة لـ"تخريب مصر" و"تدمير مصر" و"خلق (طالبان) جديدة و(قاعدة) جديدة".

كانت قيادات "الإخوان" قد ربطت في وقت مبكر بين ما يحدث في سيناء من قتل يومي للجنود والضباط المصريين وبين عودة مرسي للحكم، في إشارة لا تقبل الدحض على توجيه التنظيم للعمليات الإرهابية ورعايتها، أو على الأقل مباركتها. لا يريد المصريون أن يكونوا رهينة لـ"الإرهاب"، ولا يمكن أن يقبلوا فكرة الخضوع لحكم أعلنوا رفضهم الواضح له، لمجرد أنه يبتزهم ويهددهم ويعد بقتل أبنائهم المنخرطين في الخدمة العسكرية.

يظل يوم السادس من أكتوبر من كل عام قادراً على إلهام المصريين جميعاً، وتذكيرهم بواحدة من أعز الإشراقات التي سجلّوها بأرواحهم، وعمدوها بدمائهم، في سجلهم الوطني الحافل والضارب في أعماق التاريخ. إنه أحد الأيام التي تعز في تاريخ أي شعب، وترسخ في ذاكرته إلى الأبد، وتتحول من مجرد إطار زمني لواقعة من الوقائع إلى ذاكرة للأمة، وركيزة من ركائز فخرها الوطني، ودليل على قدرتها على البقاء والصمود ومغالبة المحن الجسام وقهر الصعاب والانتصار للأمل.

كانت ملحمة أكتوبر ملحمة مصرية وعربية متكاملة، صهرت في بوتقتها كل طاقة وقدرة تختلج في صدور المصريين، جيشاً وشعباً، بحيث صار لهم جميعاً أن يتلقوا التهنئة والتقدير الواجب صبيحة هذا اليوم من كل عام، وأن ينزلوه موضعه اللائق بين غيره من الأيام المجيدة في تاريخهم الوطني. في هذا اليوم كرست مصر قيادتها لأمتها العربية، وعمقت المشاعر القومية لدى شقيقاتها العربيات، فراح الكل يشارك بالدم والسلاح والوجدان والتأييد الجارف. في هذا اليوم توحد المصريون في مواجهة عدو غادر، انتصاراً لأمتهم التي تكالبت عليها المؤامرات، في ما كانت تريد أن تبني وطناً قادراً، وتحتل موقعها اللائق تحت الشمس.

لكن "الإخوان" أرادوا أن ينقضوا على الجيش الوطني في الذكرى الأربعين لهذا اليوم العظيم، وتوعدا علناً بـ"إسقاط الجيش" في يوم فخاره، وأعدوا لذلك كل الوسائل الإرهابية اللازمة، وحشدوا في الميادين بقدر ما أسعفتهم الموارد. نجح "الإخوان" في يوم الذكرى الأربعين للسادس من أكتوبر 1973 في إسقاط عشرات القتلى مجدداً، وحاولوا أن يهزوا وحدة الجيش وتماسكه، ولم يثنهم عن ذلك سوى قوة الجيش وصلابته، والتفاف المواطنين حوله، وخواء قضيتهم، وانصراف الكثيرين عنهم.

من المؤكد أن المصريين رصدوا هذا التربص المريض باليوم الذي يعتبرونه ركناً أساسياً من أركان تاريخهم، وجزءاً جوهرياً من تصورهم عن شخصيتهم الوطنية.

لذلك، فقد زادت حدة التفافهم حول الجيش والدولة، وأمعنوا في الاحتفال بذكرى هذا اليوم كما لم يفعلوا من قبل، وأدركوا أن "الإخوان" انضموا ببساطة إلى الإسرائيليين في بغضهم لهذه الذكرى المجيدة، وسعيهم إلى محوها من التاريخ، أو على الأقل التشويش عليها وتلطيخها. لقد صب الاستهداف "الإخواني" للذاكرة الوطنية المصرية، والتجرؤ المريض على الجيش الوطني، في مصلحة الفريق السيسي مباشرة؛ وهو الأمر الذي عزز التفاف المصريين حول قيادته، ودفع الكثيرين إلى الإصرار على دعوته للترشح للانتخابات الرئاسية المنتظرة.

يعزز "الإخوان" فرص ترشح السيسي للرئاسة، بأكثر مما يفعل أكثر مؤيديه وألد أعداء الفاشية الدينية، عبر محاولاتهم إفشال الدولة، وعرقلة تنفيذ خريطة الطريق. لم يعد لدى "الإخوان" ما يمكن أن يفعلوه في الإطار السياسي المصري سوى تلطيخ الجدران بعبارات مسيئة للفريق السيسي، ورفع شعارات "رابعة" التي أتتهم من أردوغان، وإشاعة جو مسموم من البذاءة في وسائط الإعلام الجديد، والتظاهر المريض ذي الطابع العنفي، وأخيراً تعطيل المرور، وقطع الطرق، والاعتداء على المواطنين، واستهداف المنشآت العامة والخاصة. حينما يعاين المصريون السلوك "الإخواني"، ويرصدون رغبة هذا الفصيل في إشاعة الفوضى في البلاد، واستجداء التدخل الخارجي، والإضرار بالأمن والاقتصاد، وممارسة الإرهاب، دون أن يمتلك أي رؤية للمستقبل أو يطرح بديلاً سياسياً مقبولاً، فإنهم يلتفون أكثر حول الجيش، ويطالبون الفريق السيسي بإلحاح بالترشح للرئاسة، لمواجهة هذا العدوان "الإخواني" على أمنهم ومستقبلهم.

لا يطرح تنظيم "الإخوان" مشروعاً سياسياً على المصريين في هذه الأثناء، ولا يقدم قيادة، ولا يمتلك تصوراً لحل مشكلات ملحة ومواجهة تحديات عاجلة، ولا يبرئ ساحته من التعاون مع دول ومصالح إقليمية ودولية تستهدف مصر بالعدوان والشر، ولا يعتذر عن الأخطاء البشعة التي ارتكبها طيلة عام من هيمنته على الحكم.

وبدلاً من أن يطور التنظيم أفكاراً وسياسات يمكن أن تسد هذا النقص الخطير، يكرس كل طاقته لتدبير المكائد للمصريين، ووضع العصي في دواليب الدولة، ونصب الأفخاخ، وممارسة الإرهاب، واستدعاء التدخل الخارجي. لقد بات لدى المصريين خريطة طريق معترف بها دولياً، وتتلقى دعماً وتأييداً من قوى فاعلة رئيسة في الإقليم والعالم، والدولة تتعهد بتطبيق تلك الخريطة على النحو الأمثل وضمن الحيز الزمني المخصص لها، لذلك، فإنهم لن يكونوا قادرين على قبول خطة "الإخوان" التي لا تعد سوى بالفوضى والإرهاب والخراب، ولا تمتلك أي رؤية للإصلاح، ولا تعترف بما ارتكبه مرسي من جرائم وأخطاء. وكلما أفرط "الإخوان" في سلوكهم الإرهابي التخريبي، تفاقمت مخاوف المصريين من عودتهم إلى الإطار السياسي، وتعزز التفافهم حول مؤسسة الجيش باعتبارها المؤسسة الأكثر صلابة وتماسكاً، وزادت شعبية الفريق السيسي بوصفه "الأقدر على مواجهة الإرهاب والعنف الأسود"، واقترب أكثر من منصب الرئيس.

"الإخوان" هم الداعم الأكبر لترشح السيسي للرئاسة، ولأنهم لا يتعلمون من أخطائهم، ولا يُقدّرون النصح أو يستمعون إليه، فإنهم سيواصلون دعمهم للرجل بلا كلل حتى يحملوه إلى مقعد الرئيس.

* كاتب مصري