نبحث دوماً عن مقومات الاستقرار السياسي، ونجعلها نقطة خلاف بيننا في أحاديثنا أو تحليلاتنا السياسية، ولم نأت بجديد، فالإغريق  ومنذ القرن الرابع قبل الميلاد بحثوا عن مكامن الاستقرار في المدن والكيانات السياسية، وأرسطو وتلامذته والمفكرون اليونانيون بحثوا عن أسباب عدم الاستقرار في ظل الحالات الثورية التي تعرضت لها المدن اليونانية، واستكشاف سبل الاستقرار السياسي والاجتماعي.

Ad

ويبحث غراهام أليسون في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان "الأسرار التي تكمن وراء اتخاذ القرار" موضوع الاستقرار من منظور إداري بحت، وهو تحليل عملية اتخاذ القرار، وغراهام الذي يرأس حالياً مركزاً دراسياً لدى جامعة هارفارد قد عرف في السابق بتحليله لأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، التي كادت أن تدخل العالم في حرب نووية.

 يمزج أليسون اليوم، من خلال كتابه، علم الإدارة بعلم السياسية لتحليل عملية اتخاذ القرار في الشأن الدولي أو بالسياسة الخارجية, ويدعونا المركز اليوم كطلبة سابقين في برنامج الشرق الأوسط والدعوة لكل المهتمين للمساهمة في تحديث أطر التحليل السياسي واستخدام قضايا الشرق الأوسط كنموذج.

 وفور نجاح الباحث في التوصل إلى النموذج المناسب يحصل على شهادة, وقد لا تعني شيئاً لدى الأروقة البيروقراطية في مؤسساتنا التعليمية، لكنها وغيرها من الشهادات المتميزة تضيف خبرة وقيمة علمية إضافية لدى الإنسان.

إذن نتوصل مما سبق إلى أهمية مزج علم الإدارة بعلم السياسة للتوصل إلى التحليل الأمثل لعملية صناعة القرار في السياسة الخارجية, ولو نظرنا إلى المؤسسات التعليمية في عالمنا العربي لوجدنا ندرة في مزج العلوم السياسة بالإدارية، وذلك لافتقار المقررات في الأقسام العلمية الاجتماعية لمواد الإدارة كعلم التخطيط الاستراتيجي.

 وقد أجريت بعض الاتصالات أثناء كتابة هذا المقال فقيل لي "الطريج طويل يا دكتورة"!!

ورغم ذلك دعونا نوسع دائرة اتخاذ القرار لتشمل المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة والإقليمية، كالناتو وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، ونطلع على آلية التعامل مع قضية سورية، ونبحث عن أسباب تأخر المجتمع الدولي في اتخاذ القرار الذي يحمي مناطق الكوارث الإنسانية في الدول التي تتعرض شعوبها للعنف الداخلي وحروب الشوارع، وتدفع العناصر المدنية غير المسلحة الثمن, وتتكدس النساء والأطفال في مخيمات لتتلقى المعونة من دول شحت فيها المياه, وقلّ فيها الغذاء، وقد اعتمدت مسبقاً على المنابع الطبيعية والغلات الزراعية.

 لا شك أن معاناة شعوب دول الربيع العربي من أنظمة راديكالية لا تعرف إلا الحزب الواحد والإعلام الرسمي المعلب والقمع ورفض التغيير وكلها مرتبطة بالكوارث الحالية.

 خلاصة الموضوع أن اللاعب الدولي في فترة ما بعد الحرب الباردة الولايات المتحدة، واللاعب الذي تقلصت قدراته واحتفظ بسلوكه في استخدام الفيتو بشكل متكرر روسيا, وما بين مبادرات ثنائية واستنفاد السبل الدبلوماسية وصمت الدول العربية ستتضخم الكارثة الإنسانية، وستفرز لنا أجيالاً لا تعرف إلا العنف والتطرف، فهل من مبادرة إدارية؟