«قوس الازدهار» في الشرق الأوسط

نشر في 01-09-2013
آخر تحديث 01-09-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت بينما تتأرجح مصر على شفا حرب أهلية، في ظل مستويات منذرة بالخطر من العنف والانقسامات على كل الجوانب، بات من الصعب العثور على بقعة مشرقة في أي مكان من الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، فعذابات الصراع العنيف في سورية لا تنقطع؛ والهجمات الطائفية في العراق أصبحت أكثر تكراراً وأشد فتكاً؛ وباتت خيوط السلام الهش في لبنان ضعيفة متهرئة؛ والأردن يعج باللاجئين؛ والميليشيات في ليبيا تعيث في الأرض فساداً بلا ضابط أو رابط وتشوه سياسة البلاد؛ وتواجه تونس أزمة سياسية؛ وبدأ نجم تركيا باعتبارها تجسيداً للديمقراطية الإسلامية يتجه نحو الأفول.

ولكن رغم هذه السلسلة الطويلة من المشاكل، قرر وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن يركز على إسرائيل وفلسطين، والواقع أن مبرره- "إن لم يكن الآن فلن يكون أبداً"- يكاد يكون صحيحاً دون أدنى قدر من الشك. ولكن هناك أساس منطقي آخر على نفس القدر من القوة (ولو أنه كثيراً ما يكون موضع إهمال وتغافل): وأنا أقصد هنا إمكانات النمو والتنمية الهائلة في المنطقة والتي قد تتوافر بإنشاء منطقة اقتصادية إسرائيلية فلسطينية أردنية.

"إنه الاقتصاد يا غبي"، تلك كانت كلمات خالدة ألقاها جيمس كارفيل مدير حملة بيل كلينتون في عام 1992، وإن فشل اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذريع في تحقيق الازدهار الذي تصبو إليه شعوبها عامل ثابت يدفع الناس إلى النزول إلى الشوارع. وهو ليس العامل الوحيد، ولكن ارتفاع أسعار المواد الغذائية ساعد في انتقال الحماسة الثورية من مجموعة صغيرة من الناشطين إلى قسم كبير من سكان مصر في عام 2011، ومرة أخرى في يونيو من هذا العام عندما كانت أسباب السخط والاستياء الأكثر شيوعاً بين الناس إزاء حكم الرئيس السابق محمد مرسي لا تتعلق بأيديولوجيته بقدر ما تتعلق بعدم اكتراثه باحتياجات المواطنين المصريين العاديين.

وإزاء هذه الخلفية، تشكل إسرائيل والأراضي الفلسطينية منطقة مستقرة نسبياً. ومن الممكن بسهولة ويسر أن تمتد البنية الأساسية العالية الجودة في إسرائيل إلى الضفة الغربية وغزة، شريطة ضمان الأمن، وعلى جانبي الحدود هناك جيل جديد ناشئ من خبراء التكنولوجيا والمغامرين التجاريين. وقد ذكرت مجلة "فوربس" في تقرير لها أن "المئات من الإسرائيليين والفلسطينيين أصبحوا شركاء أعمال وزملاء فعليين في شركات بادئة تعمل ببطء على تحويل الاقتصاد الفلسطيني، على الأقل في الضفة الغربية.

ويصدق هذا بشكل خاص في الصناعات ذات التقنية العالية، وهو القطاع الأكثر تأخراً في الشرق الأوسط. يصف كاتب المقال المنشور في مجلة "فوربس" مشهداً في رام الله "لا يمكن تمييزه عن مشاهد مثيلة في أوستن أو سان فرانسيسكو"، حيث "يرتشف شباب فلسطينيون في العشرينيات من أعمارهم العصائر، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم مفتوحة، وهواتفهم الذكية عاملة.

يجري كل هذا النشاط ضد كل الصعاب. ويزعم أليك روس، كبير مستشاري وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون لشؤون الإبداع والابتكار، أن أفضل طريقة لتنشيط عملية السلام تتلخص في توفير خدمة اتصالات الجيل الثالث في الضفة الغربية. ويستشهد أليك روس بكلمات سيدة شابة بين الحضور في جامعة بوليتكنيك في فلسطين، والتي قالت وسط تصفيق حاد: "ينبغي لنا أن نحصل على اقتصاد أفضل حتى تصبح حياتنا أفضل، ولابد أن يكون لدينا خدمة اتصالات الجيل الثالث لكي نحصل على اقتصاد أفضل".

في غياب الإنترنت العالي السرعة، تكاد تكون الاستثمارات الأجنبية والمشاريع الحقيقية مستحيلة. والواقع أن رأس المال البشري اللازم لتحقيق النمو الاقتصادي السريع متوافر بالفعل (ففي كل عام يتخرج ما يقرب من 2000 فلسطيني يتمتعون بمهارات تقنية، ورغم هذا فإن 30% منهم فقط تتوافر لهم الفرصة لاستخدام هذه المهارات في وظيفة مجزية)، كما تتوافر الإرادة ورأس المال الاستثماري؛ ولكن البنية الأساسية اللازمة غير متوافرة.

إن هذه الرؤية المختلفة تماماً لفلسطين، وإسرائيل بجانبها، لا يصعب تحقيقها، ففي عام 2005، وضعت "مؤسسة راند"، معهد بحوث أميركي، خطة "القوس"، وهي خطة ملهمة حقاً لبناء ممر نقل يربط بين محاور الأعمال التجارية الرئيسة والتجمعات السكانية بالضفة الغربية في فلسطين، ثم ينحني الممر ليعبر إسرائيل إلى غزة، حيث من المقرر وفقاً للخطة بناء مطار وميناء تم التخطيط لهما منذ فترة طويلة.

يتلخص التصور وراء هذه الرؤية في أن حجم وكثافة السكان في فلسطين المستقبل سوف يماثلان تقريباً مناطق حضرية ممتدة مثل منطقة خليج سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة أو القاهرة الكبرى في مصر. وبالتالي، فلابد من النظر إلى الضفة الغربية بوصفها "منطقة حضرية متكاملة تتألف من مدن مستقلة ولكنها متصلة". وكل من أمضى تسع دقائق في مشاهدة فيديو العرض لـ"خطة القوس" سوف يدرك أن الإمكانات المتصلة بها مبهرة في أقل تقدير. وفي حين ستجني فلسطين من هذا مكسباً اقتصاديا، فإن إسرائيل ستكسب سياسياً واجتماعياً، وقد لا تظهر تكاليف عدم التوصل إلى تسوية سلمية في إحصاءات إسرائيل الاقتصادية أو في التفاعلات الدبلوماسية الرسمية. ولكن الشباب الإسرائيليين، بشكل خاص، أصبحوا على وعي متزايد بالدعوات التي لا يتلقونها لحضور اجتماعات ومؤتمرات، والوتيرة المتزايدة لعدم قبول دعواتهم، حتى من قِبَل أصدقاء إسرائيل المخلصين.

يلاحظ برنارد أفيشاي، الأستاذ الإسرائيلي المتميز لإدارة الأعمال والعلوم الحكومية والذي يقسم وقته بين إسرائيل والولايات المتحدة، أنه مهما كانت نظرة شباب إسرائيل إلى الفلسطينيين، فإنهم "يتوقعون أن يقلعوا من مطار بن غوريون ثم يهبطون في مطارات العالم الغربي مقبولين". ولكنهم الآن باتوا يدركون أن المخاطر آخذة في الارتفاع.

ويصدق نفس القول على الفرص، ففي حين ظل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لفترة طويلة أشبه بجزيرة من العنف والاضطرابات في منطقة مستقرة نسبياً (ولو تحت القَمع)، فإن الأحوال تبدلت الآن. فإسرائيل وفلسطين القادرتان على حل خلافاتهما والحياة جنباً إلى جنب كديمقراطيتين حقيقيتين من الممكن أن تتحولا إلى جزيرة من الاستقرار والعقل في بحر من الاضطرابات السياسية والانكماش الاقتصادي، وإذا أضفنا إلى ذلك اتفاقية تجارة حرة، أو حتى اتحاد جمركي مع الأردن، فسوف يؤهلهما هذا للتحول إلى كيان في الشرق الأوسط أشبه بالبينيلوكس (تجمع يتألف من بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، والذي شكل النواة الاقتصادية لما أصبح الاتحاد الأوروبي الأصلي لاحقاً).

تُرى أهو حلم ليلة من ليالي أواخر الصيف؟ ربما، ولكن إذا نحينا إيران جانباً، فإن كل اللاعبين الرئيسيين في المنطقة- المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وتركيا، وكلا الجانبين في مصر-  لديهم الكثير من الأسباب التي تجعلهم راغبين في تحول هذا الحلم إلى حقيقة. والإسرائيليون والفلسطينيون أنفسهم، في ظل حروب أهلية فعلية أو محتملة في ثلاث من الدول الأربع الواقعة على حدودهم، لا يحتاجون إلى من ينبههم إلى ما قد يحدث إذا لم يسارعوا إلى البدء بنشر السلام من الداخل إلى الخارج.

* آن ماري سلوتر | Anne-Marie Slaughter ، مديرة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية سابقا (2009- 2011)، وأستاذة العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة برينستون.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top