ينصب اهتمام العالم على الصراع الكبير الدائر في سورية بين الثوار ونظام بشار الأسد، ولكن ثمة جبهة أخرى قد تكون صغيرة، إلا أنها لا تُعتبر أقل منها أهمية.
صحيح أن الكثير من قادة المنطقة تجاهلوا هذه الجبهة أو ربما نسوها، إلا أن الصراع الثاني في سورية يدور بين خصوم الحكومة السورية.بينما تواصل المعارضة جذب جنود النظام وتقود الحكومة هجوماً مضاداً آخر في محيط دمشق وحمص، بدأت الخصومات تبرز بين الثوار أنفسهم حول الموارد الطبيعية في سهول سورية الشرقية، حيث يقع المخزون الأكبر من نفطها الخام.صحيح أن المعارضة العسكرية السورية ترغب في تصوير نفسها أمام واهبيها الخارجيين كمنظمة عسكرية منضبطة موحدة في وجه نظام الأسد "المجرم"، لكن الصراع حول النفط في قرية المسرب الصغيرة في دير الزور (بين ألوية متخاصمة من الثوار على ما يبدو) يشكل الصورة العلنية الأوضح حتى اليوم عن الانقسام الكبير بين خصوم الأسد حول قضايا مهمة جداً: كيف ستُحكم سورية بعد سقوط الأسد؟ أي عقيدة (السلفية، أو الإسلام المعتدل، أو العلمانية) ستسود في سورية ما بعد الأسد؟ وكم ستكون الديمقراطية قوية في أمة عانت سنتَين من الحرب الأهلية؟لا شك أن الصورة التي ترسمها قرية المسرب، بفضل التقارير الممتازة في مدونة جوشوا لانديس، باحث في الشؤون السورية في جامعة أوكلاهوما، مقلقة ومخيفة لكل مَن يريدون رحيل زمرة بشار الأسد من السلطة. إلا أن هذه الصورة كانت محتمة، نظراً إلى طبيعة المعارضة المسلحة المقسمة منذ أيام الانتفاضة الأولى في صيف عام 2011، وتنامي النفوذ والقوة، اللذين تتمتع بهما المجموعات الجهادية داخل صفوفها مع اتخاذ الحرب طابعاً أكثر دموية.صحيح أن تسلسل الأحداث ليس واضحاً، ولكن تذكر بعض التقارير أن الصراع في قرية المسرب بدأ حول شاحنة محملة بالنفط، فقد اتهمت "جبهة النصرة" (منظمة جهادية ترتبط بتنظيم القاعدة في العراق صنفتها الولايات المتحدة السنة الماضية منظمة إرهابية) القبيلة الكبرى في المنطقة، العساف، بشراء شاحنة نفط سُرقت من مالكها الأصلي. وعندما التقى أعضاء من قبيلة العساف و"جبهة النصرة" لحل هذا الخلاف، فسرعان ما اتخذ هذا اللقاء طابعاً عنيفاً، ما أدى إلى مقتل قائد "جبهة النصرة" في المنطقة.لا نعرف السبب الفعلي الذي دفع بالقبيلة إلى قتل قائد "جبهة النصرة"، لكن أبناء القبيلة يؤكدون أن "جبهة النصرة" كانت تحاول ترهيبهم، مستخدمة الأسلحة. أما أنصار "جبهة النصرة"، فيدعون من جهتهم أن القبيلة خدعتهم وقتلت رجلهم كإجراء وقائي، لكن الأكيد أن "جبهة النصرة" شعرت بضرورة الرد انتقاماً، لذلك شنت هجوماً شاملاً ضد القبيلة، فأدى هذا الغزو إلى تدمير عشرات المنازل، وإلقاء القبض على عدد من السكان المحليين في القرية، وتهجير مجموعة كبيرة من الناس. وتشير التقارير إلى مقتل خمسين شخصاً خلال القتال، ما أدى إلى هجوم مضاد شنته القبيلة ضد مقار "جبهة النصرة" المركزية في المنطقة.وباختلاف الجهة التي تسألها ستحصل على جواب مختلف بشأن الطرف الذي بدأ أعمال العنف، لكن هذا السؤال لا يتلاءم مع الصورة الكبيرة: من الواضح أن "جبهة النصرة"، على غرار المجموعات المجاهدة في العراق، تحاول التدخل في الحياة اليومية للسوريين، متحولة بذلك إلى مصدر إزعاج.قد لا يُعتبر هذا التطور مشكلة كبرى، لو كانت سورية تتمتع بحكومة مركزية فاعلة وشرعية يمكنها حل هذه الخلافات، لكن سيطرة الحكومة في دير الزور باتت لا تُذكر، ما يترك لمجموعات الثوار والقبائل المختلفة مهمة إدارة شؤون مجتمع متضرر جداً.ما زال من المبكر القول إن قبائل شرق سورية تعد العدة لتطرد المتطرفين، مثل "جبهة النصرة"، من بلداتها وقراها، إلا أن أعمال العنف التي اندلعت في المسرب شبيهة بما حدث في العراق قبل خمس سنوات، عندما اتحدت قبائل الأنبار وحدت من نفوذ تنظيم "القاعدة" في ذلك الجزء من البلد.بينما تتواصل اجتماعات القادة الأميركيين والأوروبيين والعرب للبحث في الشأن السوري، فقد يكون من الحكمة أن يتأملوا بعمق بما يحدث داخل صفوف المعارضة المناهضة للأسد. صعب علينا في الآونة الأخيرة حمل بشار الأسد على التراجع، لكن الوضع سيزداد صعوبة إن بدأت المجموعات المختلفة داخل المعارضة بالاقتتال في ما بينها.عندما يرحل بشار الأسد، قد تُضطر سورية إلى مواجهة المزيد من أعمال العنف فترة أطول، وذلك بسبب الصراعات التي ستنشأ بين ميليشيات تملك أجندات مختلفة بشأن الطريقة الفضلى للنهوض بسورية مجدداً.Daniel De Petris
مقالات
صراع المصالح والحرب الأخرى في سورية
13-05-2013