أربعة سيناريوهات لـ«الإخوان»

نشر في 14-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 14-07-2013 | 00:01
 ياسر عبد العزيز الزلزال الذي أطاح بحكم "الإخوان المسلمين" في مصر ما زال يتفاعل ويهز أوصال الجماعة داخل البلاد وخارجها.

يمكن تفهم أسباب الارتباك الحاد الذي تعانيه الجماعة في أعقاب الإطاحة بحكم محمد مرسي؛ إذ جاءت الانتفاضة الشعبية أكبر وأوسع من أي تصور أو توقع، وجاء تحرك الجيش حكيماً ومحكماً، وجاءت ردود الفعل العالمية في مجملها متفهمة لما حدث، ولم ينجح "الحلفاء المخلصون" للجماعة في تشويه صورة عملية انتقال السلطة وتصويرها على أنها مجرد "انقلاب عسكري".

ثمة أسباب أخرى، فقد برهنت الجماعة خلال فترة وجودها في السلطة على عدم كفاءة وانخفاض في درجة استيعاب التطورات السياسية، كما أن توقيف عدد من كبار قياداتها، وملاحقة آخرين لضبطهم، استناداً إلى طلبات ضبط وإحضار قانونية في قضايا محددة، زاد من درجة الارتباك في سلوك الجماعة وتحركاتها.

ربما كانت هناك أسباب إضافية أدت إلى هذا الارتباك أيضاً؛ مثل دخول شهر رمضان مثلاً، ومحدودية التأييد الشعبي، وتقلص أعداد المتظاهرين المناصرين لعودة مرسي، وعدم ثقة الأطراف المساندة لـ"الجماعة" في سلوكها بالنظر إلى تاريخها البراغماتي ونزعتها الانتهازية.

 ويبدو كذلك أن الانتعاش الذي حل بالاقتصاد المصري من جراء ضخ حزمة منح ومساعدات بلغت نحو 12 مليار دولار من ثلاث دول عربية شقيقة، أضاف أسباباً جديدة لارتباك الجماعة، فضلاً عن الخطوات التي تتخذها الإدارة المؤقتة الجديدة لجهة إعادة بناء النظام السياسي، وإنجاز خريطة طريق لعملية الانتقال الديمقراطي.

ولذلك، فقد بدت "الجماعة" موزعة بين أربعة سيناريوهات، تعكس أربعة أنماط من الأداء السياسي، بشكل سيضر كثيراً بموقفها السياسي واستراتيجيتها المستقبلية.

السيناريو الأول الذي هيمن على أداء الجماعة في الأيام الأولى لعزل مرسي كان "سيناريو تشافيز"؛ أي محاولة خلق انتفاضة شعبية تضغط على الجيش لتجبره على إعادة الرئيس إلى الحكم، وبالفعل حاولت الجماعة تنفيذ هذا السيناريو، بل إن عدداً من قياداتها كان يعتقد بإمكانية حدوث هذا الاحتمال، بينما كان أي باحث مدقق بإمكانه أن يعرف بصعوبة تحقق مثل هذا السيناريو.

لم يكن من الممكن تفعيل "سيناريو تشافيز" في حالة مرسي لأسباب عديدة بعضها يتصل بالاختلاف بين الرجلين؛ إذ استطاع تشافيز في فترة رئاسته الأولى أن يطبق إصلاحات سياسية واقتصادية ساهمت في تحسين أوضاع الفئات الأكثر فقراً وتهميشاً في بلاده وحسنت عملية توزيع الثورة، وهو الأمر الذي أخفق فيه مرسي إخفاقاً واضحاً.

حينما أُطيح تشافيز في أبريل من عام 2002، استطاع أنصاره إعادته في ثلاثة أيام من التظاهر الضاغط لأنه كان يحظى بدعم وتعاطف شعبي حقيقي بسبب سياساته الواضحة وإنجازاته الملموسة، على العكس بالطبع من مرسي الذي أتم عامه الأول في ولايته الرئاسية بسجل ضخم من الإخفاقات، زاد من حدتها إحساس الجمهور برغبته في "أخونة" الدولة، وتمكين جماعته من الحكم، من دون تحقيق أي تقدم في أي من الملفات الحيوية، إضافة طبعاً إلى محاولات تغيير هوية الدولة المصرية العريقة، واللعب على أوتار الطائفية البغيضة، وبعض أنماط التكفير والتخوين التي أشاعها حلفاؤه من أتباع التيارات الدينية الأكثر تشدداً.

حينما أدركت الجماعة عدم قدرتها على تفعيل "سيناريو تشافيز" يبدو أنها لجأت إلى سيناريو "سلفادور الليندي"، أو سيناريو "بناء المظلومية الجديدة".

يجسد كلام أعضاء الجماعة وحلفائها عن "الاستشهاد"، و"التضحية بالدماء" من أجل إعادة مرسي نوعاً من أنواع "بناء المظلومية"، عبر محاولة تصوير أن ما حدث مع مرسي يشبه ما جرى مع الزعيم التشيلي الراحل سلفادور الليندي، الذي كان منتخباً في انتخابات نزيهة، وأمضى ثلاث سنوات من ولايته، قبل أن يطيحه انقلاب عسكري نفذه الجنرال أوغست بينوشيه في عام 1973، وهو الانقلاب الذي قاومه الليندي رافضاً الاستسلام له، ومضحياً بحياته، لكيلا يستسلم للانقلابيين.

يبدو أن "سيناريو الليندي" أيضاً لم ينجح مع "الإخوان المسلمين"؛ إذ يبدو الفارق متسعاً أيضاً بين الليندي ومرسي؛ فالأول كان زعيماً صاحب رؤية واضحة لتجذير الديمقراطية في بلاده، وتعزيز فرص التنمية المستقلة فيها، كما اتخذ خطوات راديكالية إزاء مجمع المصالح الغربي الذي تمثله مجموعة من الشركات الأميركية الكبرى، وقام بإصلاحات اقتصادية صبت في مصلحة فقراء شعبه، وهو أمر يبدو معاكساً تماماً لسياسة الإفقار والعجز الاقتصادي التي ظهرت في عهد مرسي، وافتقاده لأي رؤية تنموية واضحة بخلاف محاولة الاستدانة أو الحصول على منح من بعض الدول والمنظمات العربية والأجنبية.

مع مرور الوقت، وتلف أعصاب الجماعة وحلفائها، وانسحاب الزخم عن أنشطتهم المعارضة للنظام الجديد في مصر، وبدء انتظام الرأي العام الدولي في مسار يتعاطى مع العملية السياسية في البلاد، اتخذ تفكير "الجماعة" منحى أكثر راديكالية وحدية؛ فراحت تروج لـ"السيناريو الجزائري".

يقول قياديون في الجماعة علناً: "بمجرد إعادة مرسي إلى الرئاسة ستتوقف الأعمال المسلحة ضد الجيش والمواطنين في سيناء في ثانية واحدة"، ويهدد آخرون بـ"برك دماء"، و"خطوات تصعيدية غير مسبوقة"، وينظمون استعراضات عسكرية، ومواكب لرجال يحملون الأكفان، بموازاة عمليات عسكرية ضد أفراد الجيش ومواقعه وبعض الأقباط والمواطنين في سيناء.

إنها محاولة لمحاكاة "سيناريو الجزائر"، الذي أدخل هذا البلد في عشرية من الدماء سقط فيها عشرات الآلاف من الجزائريين اعتباراً من نهاية عام 1991، عندما تدخل الجيش ليمنع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة في أعقاب الانتخابات التشريعية التي بدا أنهم فازوا بها باكتساح في العام نفسه.

لا يبدو أن "الإخوان" سيكونون قادرين على تفعيل "سيناريو الجزائر" أو حتى "السيناريو السوري" في مصر لاعتبارات عديدة؛ إذ حكم الإسلاميون في مصر بالفعل استناداً إلى انتخابات نوفمبر 2011 البرلمانية ويونيو 2012 الرئاسية، وأدرك الجمهور أنهم غير قادرين على الحكم، كما بات شبه موقن من أنهم لا يحترمون القواعد الديمقراطية، فضلاً عن إخفاقهم في حماية المصالح الوطنية.

إضافة إلى ذلك، فإن الشعب المصري ينطوي على سوية اجتماعية فريدة لا تقبل العنف ولا تتحمل العيش في كنفه، كما أن الجيش المصري يعكس روحاً أكثر صلابة واستيعابا للنسيج الوطني، ويحظى بدعم شعبي كبير وثقة تبدو في ازدياد.

ليس هناك إذن أمام "الإخوان" أفضل من السيناريو الرابع؛ أي "السيناريو التركي"؛ إذ أطاح الجيش العلماني في تركيا بحكومة نجم الدين أربكان الإسلامية في عام 1997، لكن أولاد أربكان عادوا إلى المشهد السياسي، بعيداً عن التظاهر والعنف، مرة أخرى، ونافسوا في انتخابات 2002، التي حققوا فيها الفوز، وظلوا في الحكم حتى وقتنا هذا، بعدما جددوا خطابهم وممارساتهم، وأحرزوا نجاحاً ملحوظاً في بلد الخلافة العثمانية ظل مصدر إلهام لمعظم الحركات الإسلامية في المنطقة.

ليس أمام "إخوان مصر" سوى اختيار "السيناريو التركي"، ليس لأنه الأفضل لهم وللمصلحة الوطنية المصرية والمصالح الإقليمية أيضاً، ولكن أيضاً لأن الشعب المصري لن يمكّنهم من تفعيل أي من السيناريوهات الثلاثة الأخرى.

* كاتب مصري

back to top