حذر خبراء وسياسيون خلال اليوم الأول من مؤتمر «ذروة النفط» المنعقد بالعاصمة القطرية الدوحة من أن تستمر دول الخليج في هدر ثرواتها النفطية دون عناية كبيرة ببناء المواطن المنتج والقادر على المنافسة في عالم يشهد دخول فاعلين جدد إلى سوق الطاقة العالمي. وشددوا على أهمية إحداث التغيير المطلوب لمواجهة تحديات حقبة ما بعد النفط.
وفي هذا الصدد، لفت الاقتصادي السعودي عبدالعزيز الدخيل إلى أن هناك خللا في قاعدتين أساسيتين في المنطقة هما القاعدة الاقتصادية والقاعدة السياسية.فالأولى تكمن برأيه في «اعتماد هذه الدول الكلي على ثروة غير متجددة وناضبة، وإهمالها بناء ثروة بشرية منتجة ومبدعة، والثانية تتمثل في غياب الديمقراطية الحقة».غروب شمس النفطوقال الدخيل -خلال الجلسة الأولى للمؤتمر- إنه «على الرغم من أن دول الخليج العربي تأخذ مبدأ الاقتصاد الحر الذي من مبادئه تقليص حجم الفعاليات الاقتصادية للدولة وتعظيم دور الفرد، فإن العكس هو الصحيح، فالمصروفات الحكومية هي المحرك الأساسي للاقتصاد، ودور القطاع الخاص ثانوي ومعتمد على الدولة».وحذر من أن النفط والغاز سينتهي عاجلا أو آجلا إن بقيت الخطط الاقتصادية وسياستها على ما هي عليه.وأضاف: «عندما تبدأ شمس النفط في التوجه نحو الغروب سيحل العجز الحكومي محل الفائض، ويتراكم الدين وتطل الأزمة المالية الحكومية على المسرح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي دافعة البلاد والعباد في اتجاه الهاوية».وأكد أن تجنب حدوث هذه الهاوية يتطلب توفر إرادة سياسية عليا واعية بالمخاطر المستقبلية ومؤمنة بحتمية العمل على إحداث تغيير جذري للاستراتيجيات التنموية والاقتصادية والسياسية بما يخدم بناء الإنسان في المقام الأول.إخفاقاتومن جهته، أكد العالم النرويجي جوهان غالتونغ أن النفط سينضب عاجلا أم آجلا، لذلك يجب العمل في هذه المرحلة على بناء الإنسان باعتباره أهم وسائل المحافظة على المكتسبات.وبدوره، سلط المفكر والوزير البحريني السابق علي فخرو الضوء على مجمل التحديات التي ستواجهها دول الخليج في المستقبل.وأشار إلى أن ثروة النفط ساهمت بشكل مبهر في بناء بنية تحتية هائلة لدى هذه الدول، بيد أنه أكد أن ذلك لن تكون له قيمة إذا لم يصبح وسيلة يقصد بها تحقيق أهداف بناء الإنسان.وذهب فخرو -في تصريح لـ»الجزيرة نت»- إلى أن أكبر إخفاق لدول الخليج حدث على صعيد الاقتصاد، حيث لم تنجح هذه الدول في بناء قاعدة إنتاجية وصناعية بالاعتماد على مداخيل النفط.وأوضح أن هذه الدول أضاعت فرصة بناء اقتصاد معرفي مثل الهند رغم أنها تتوفر على أموال.وأشار إلى أن الدول النفطية أضاعت 70 سنة مضت، ويُخشى أن تضيع 100 سنة مقبلة إذا لم يتم توظيف هذه الثروات في بناء الإنسان وليس تكريس التقدم المادي فقط.وشدد فخرو على أهمية أن تستفيد دول المنطقة مما حصل في الغرب الأميركي عندما بنوا مدنا كبيرة غداة طفرة الذهب، وما لبثت هذه المدن أن اختفت باختفاء المعدن النفيس. عصور مظلمةأما مدير منتدى العلاقات العربية والدولية محمد الأحمري فقال: «لم تهمل كل دول الخليج ولا كل الدول النفطية هذا الموضوع، فهناك من يخطط ويفكر في أنه في عام 2020 قد يستقل بعائداته بعيداً عن النفط والغاز، ويبدأ في استثمارات تعيد للمجتمع حياة قوية إلى جانب الرصيد الموجود. لكن هناك دول أهملت إهمالا كبيرا وتستعد لعصور مظلمة من الفقر».ومن جهته، شدد المحلل النفطي الكويتي كامل عبدالله الحرمي على ضرورة أن توقف دول الخليج النفطية ما وصفه بـ«هدر الثروات»، وأن تهتم -في المقابل- ببناء المواطن القادر على منافسة غيره في بلدان العالم الأخرى.ورأى -في تصريح لـ»الجزيرة نت»- أن نمط الاستهلاك الحالي في دول الخليج حملها على توجيه نصف ثرواتها النفطية إلى الداخل وبأثمان رخيصة، بدل تصديره إلى الخارج بأسعار مرتفعة، مما جعلها تخسر الكثير.وحذر من أن دخول منافسين جدد في سوق النفط غير التقليدية كالولايات المتحدة، والتوقعات بارتفاع إنتاج كل من العراق وإيران، وتوجه الصين لشراء شركات نفطية قائمة، كل ذلك بات يمارس ضغطا كبيرا على دول الخليج.ولفت إلى أن احتياطيات النفط في دول الخليج لم تعد تفي بالغرض في مواجهة هذه المنافسة القوية، بل أضحى بناء المواطن المنتج والمنافس هو الرهان الحقيقي للمرحلة المقبلة.ويعالج المؤتمر -الذي ينظمه «منتدى العلاقات العربية والدولية» بالتعاون مع «معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة»- قضايا تطوير التعليم، وتحديات البطالة، والدولة الريعية وآثارها.(الجزيرة نت)
اقتصاد
تحديات ما بعد النفط
05-04-2013