كانت بريطانيا وفرنسا تتقاسمان النفوذ في "الشرق الأوسط"- وكانت الجهات البحثية البريطانية قد سمته بهذا الاسم عام 1902، فقد كانوا يمنحون أنفسهم الحرية لإطلاق أسماء جديدة على مناطق قديمة- وبلغ ذلك النفوذ ذروته بصدور إعلان "بلفور" بصدد مستقبل فلسطين كما تجلى، من ناحية أخرى، بإعلان الدولتين اتفاقية "سايكس بيكو" أو قيامهما بتنفيذها تنفيذاً عملياً أدى إلى خلق دول جديدة على حساب الدولة العثمانية.

Ad

وقد مارست الدولتان السيادة الكاملة على الدول التي خلقتاها، وكانت لندن أو باريس هما العاصمتان الفعليتان لتلك الكيانات السياسية التي كانت تلك الدول تتطلع إليهما لاستمداد النفوذ والقرار السياسي.

وقد جرى اقتسام النفوذ بين الدولتين- مشرقاً ومغرباً- وكان ذلك موضع ترحيب كبير من جانب "رعايا" الكيانات السياسية.

وجرى الأمر على ذلك المنوال إلى أن حلّت الولايات المتحدة محل الدولتين في إدارة شؤون المنطقة.

ومن أراد اكتساب "رؤية" تاريخية تفصيلية فليراجع كتاب أمين الريحاني "ملوك العرب" ليرى مدى شعور الناس حيال ذلك النفوذ الآفل وتطلعهم إلى النفوذ الجديد.

فقد كان الرجل لمّاحاً وكان بأكثر العبارات إيحاءً يوضح ما خفي على القارئ ما التبس عليه.

وتصرفت الولايات المتحدة- حسب مصالحها- وكانت الظروف "الانتخابية" تملي المواقف السياسية.

ومع مجيء النفوذ الأميركي، جاء "النفط" العربي وكان عاملاً جذاباً لذلك النفوذ، ومعه جاءت شركات النفط التي كان لها دور كبير في تطوير المنطقة.

وكان أسوأ وجه للولايات المتحدة في المنطقة تأييدها لقيام إسرائيل، وظل العرب لعقود عديدة يحاولون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ولكن دون جدوى.

وأسوأ ما في قيام إسرائيل عرقلة مسيرة التنمية العربية التي كانت تشق طريقها بإنجازات عدة.

في هذه الأثناء، كانت اليابان وما جاورها من بلدان تنعم بالسلم الأميركي ولم تتورط أي منها في حروب (عدا الكوريتين) عندما نشبت حرب الشمال والجنوب وكانت حرباً شبه عالمية تنادت إليها دول عدة حتى "المسلمين" الأتراك اشتركوا فيها! وكانت تركيا حينئذ تقف مع الغرب ضد الشيوعية والجميع قاتل "الشمال" لأن الشمال مثل عنه شيوعياً بينما "الجنوب" كان على وشك الدخول في المسيرة التنموية.

وكانت الفكرة السائدة في اليابان وجيرانها أنه من المستحسن ألا تنفق على الحروب، بل على التنمية.

صحيح أن دولاً من الجيران شهدت ثورات شعبية- كالصين الشعبية- غير أن هؤلاء الجيران لم ينفقوا على حروب خارجية. ودخلت الصين مرحلة من "الصعود الناعم" استهلته بالثورة الثقافية التي فجّرها ماوتسي تونغ. وكانت اليابان ماضية في التنمية واستلهام العلوم الغربية التي كانت سبّاقة في استحصالها، وكذلك "مملكة السماء" (الصين) التي كابرت في البداية ضد القوة الغربية ثم اتجهت لاكتساب مقومات القوة التي إن امتلكها جنس استخدمها ضد عدوه دون تمييز.

وكانت الهند تزحف في ظل تراثها في اللاعنف الذي أحياه المهاتما غاندي بفلسفته السياسية.

وقد شجعت روسيا بتسليحها للهند، هذا البلد على الحرب ضد جارته "باكستان" التي كانت تحظى بدعم غربي، ووقعت حروبٌ مصيرية بين الدولتين، أدت إلى انفصال بنغلاديش (باكستان الشرقية) عن باكستان الغربية، ومازال القسمان (الشرقي والغربي) يعانيان مشكلات التنمية كغيرهما من بلدان العالم الثالث.

أما الهند فقد تحولت إلى قوة عظمى في ظل مسيرتها الديمقراطية، وفي الولايات المتحدة، ثمة إحساس قوي أن "الصين" هي عملاق العالم المقبل، وقد عملت على مواجهة ذلك بعقد تحالفات بين اليابان والهند لتطويق العملاق الصيني من ناحية، ومن الناحية الأخرى، شجعت التعاون الإنمائي بينهما.

وضمن هذه التحالفات هناك "القوة الأسترالية" التي لا تريد للصين كسب الجولة القادمة، لذلك فإن واشنطن تزودها بالسلاح.

إن دولاً خليجية ما زالت تعتمد على الولايات المتحدة في شؤون الدفاع، لكن هذه الدول ستحسن صنعاً إذا تخلت عن فكرة الاعتماد على واشنطن واستعاضت عن ذلك بالصين.

* أكاديمي ومفكر من البحرين