يرتكب "إخوان" سورية خطأً قاتلاً ومميتاً إنْ هم حاولوا، حتى مجرد محاولة، الاقتداء بـ"إخوان" مصر واتِّباع الوسيلة التي اتبعها هؤلاء في التسلل تسللاً لسرقة الثورة المصرية من أصحابها الحقيقيين واختلاس السلطة والانفراد بها، وهذا كانت نتيجته كل هذه الاهتزازات الأمنية المروعة وكل هذه الفوضى المدمرة التي باتت تهز كيان بلد عدد سكانه تجاوز الخمسة والثمانين مليون مواطن، مما يجعل أيَّ خطأ سيؤدي إلى كارثة، إذا لم تتدخل القوات المسلحة في اللحظة الحاسمة وإذا بقيت على الحياد.

Ad

إنَّ ما دعا إلى هذا الكلام هو الطريقة التي اتبعها "إخوان" سورية الذين كنا، وإلى حدٍّ ما مازلنا، نعتقد أنهم بحكم تجربتهم التاريخية القاسية وبحكم تركيبة المجتمع وطبيعة الشعب السوري يختلفون عن كل تنظيمات الجماعة الإخوانية في هذه المنطقة في تمرير "تعيين" وليس انتخاب مرشحهم لرئاسة الحكومة الانتقالية، فهم اختاروا أسلوب الاختلاس الذي كان اتبعه إخوانهم في مصر، وقد أظهروا في أول مؤشرٍ على طبيعة النظام المنشود بعد هذه الثورة العظيمة وأنهار الدماء التي سالت حتى الآن، أنهم مصممون على الانفراد بالسلطة المقبلة، وأنه ليس في أذهانهم إلا تجربة حزب البعث المريرة التي أوصلت جوهرة "الأقطار" العربية إلى ما وصلت إليه.

كان الشعب السوري ومعه العرب وكل المتابعين في العالم بأسره قد سمع من الإخوان المسلمين السوريين ما عزز الآمال بأنَّ نواياهم، بحكم تجربتهم القاسية، تختلف عن نوايا كل "إخوانهم" في هذه المنطقة، فهم كانوا قد أصدروا وثيقة رائعة بالفعل أكدوا فيها أنهم يتمسكون بالتعددية، وبأن تصبح سورية دولة مواطنة لكل أهلها، وتكون فيها مساواة حقيقية بين الرجل والمرأة، وبين كل المكونات العرقية والدينية والطائفية والمذهبية، وأنَّ الاحتكام فيها سيكون لصناديق الاقتراع وللحريات العامة.

ولعل ما يجب أن نُذكِّر به "إخوان" سورية الآن بعد أنْ اختلسوا اختيار غسان هيتو، الذي لا اعتراض عليه كشخص ينتمي إلى القومية الكردية الشقيقة، لرئاسة الحكومة الانتقالية اختلاساً، بطريقة التسلل والمناورات التي اتبعها "إخوانهم" في مصر فأقحموا العباد والبلاد في هذه الفوضى المدمرة، هو أن الأخ صدر الدين البيانوني كان قد أكد في تصريح أدلى به في بدايات هذه الثورة المظفرة، أنه لا يوجد لجماعتهم في الداخل السوري شخص واحد منظم في إطار من الإطارات الحزبية المتعارف عليها في الأوضاع التي تقتضي أقصى درجات السرية.

ولهذا فإنه من المستغرب جداً أنْ يقوم هؤلاء، الذين يقولون إنهم يريدون سورية جديدة لا مكان فيها للانفراد بالسلطة ولا للحزب الواحد ولا حتى لأمير المؤمنين والمجاهد الأوحد، بما قاموا به في إسطنبول قبل أيام، عندما لجأوا إلى مسرحية مكشوفة لمصادرة آراء كل الذين يشاركونهم هذه الثورة العظيمة، وفي مقدمتهم الجيش الحر الباسل، وكانت هذه مفاجأة، وكان من المفترض أنْ تتخذ القرارات والاختيارات بالتفاهم وبالتراضي إلى أن يتم "التحرير" وتصبح هناك إمكانية للانتخابات الفعلية والديمقراطية الحقيقية.

إن هذه مسألة، أما المسألة الثانية فهي أنَّ المفترض أن "الإخوان" السوريين ومعهم كل قوى وفصائل الثورة، عليهم أن يتعلموا من دروس حركات التحرر في هذه المنطقة العربية، وأولها وعلى رأسها وأهمها الثورة الفلسطينية، حيث كانت الأيدي الممتدة من الخارج باستمرار في كل الحالات، عوامل تأزيم ونزاع وشقاق داخلي، وحيث كان بعض الدعم العربي ليس خالصاً لوجه الله ولا لوجه القضية المقدسة، وإنما من أجل النفوذ والاستقطاب والاستخدام المكلف في الصراعات العربية- العربية التي كانت ولا تزال تشكل عبئاً كبيراً ومدمراً بالنسبة لقضايانا الوطنية والقومية والرئيسية... اللهم فاشهد!