أخبرنا عن بحثك الجديد وتوصيفك للحركة النقدية راهناً.

Ad

من خلال قراءاتي توصلت إلى أن بعض الروائيين حاولوا تسريب بعض المعلومات النقدية داخل أعمالهم الإبداعية، وقد طرحت سؤالاً على نفسي هو: هل يأس المبدعون من النقاد فسربوا بعض الملاحظات النقدية لإضاءة أعمالهم؟ وجدت أكثر من 150 رواية مليئة بهذه الظاهرة لروائيين بارزين جداً في مختلف البلدان العربية. من مصر عبد الحكيم قاسم وسيد الوكيل وإبراهيم فرغلي صاحب «أبناء الجبلاوي»، ومن سورية حنا مينا وفواز حداد ووليد إخلاصي، ومن السعودية غازي القصيبي وعلي الدميني، ومن فلسطين جبرا إبراهيم جبرا، ومن الأردن مؤنس الرزاز، ومن لبنان علوية صبح، ومن المغرب محمد برادة ومحمد أنقار ومحمد زفزاف... هؤلاء وغيرهم كثيرون حاولوا الدمج بين النظرية والتطبيق أو النظرية والإبداع، ونجد أن معظمهم أساتذة جامعة.

نود التعرف أكثر إلى هذا الشكل الكتابي.

لا يتعلق الأمر بشكل كتابي، لكن نجد داخل النص الروائي في الرواية الواحدة أكثر من رواية. مثلاً، في ما يخص مفهوم هذا الجنس الأدبي حوار بين شخصيات أو كتابة، أو في ما يتعلق بعملية الخلق وإشكاليات بناء النص الأدبي داخل النص، وفيه أيضاً ما يسمى التعريف بفنيات الكتابة الرواية. ومثلاً، لو أخذنا رواية «أبناء الجبلاوي» لإبراهيم فرغلي التي صدرت العام الماضي، فكرتها مبنية على اختفاء روايات نجيب محفوظ والبحث عنها وفيها تطرق الشخصيات إلى قيمة هذا الأدب من حيث التقنية واللغة والأسلوب، وتكتب إحدى الشخصيات لنا رواية داخل الرواية. في النهاية يصبح معي أكثر من نص إبداعي يوازيه نص نقدي. هذا هو التسريب، وأعتبر ذلك نوعاً من التجريب الجيد.

هل هذا الأسلوب جديد على المشهد الأدبي؟

هذا الأسلوب ليس جديداً أو وليد العصر، فقد بدأت إرهاصاته في منتصف القرن التاسع عشر فنجد ذلك في رواية «وي إذن لست بإفرنجي» لخليل الخوري التي أصدرها عام 1859 وقد فعل ذلك بشكل مبسط، وسليم البستاني له سلسلة من الروايات بدأ يكتبها منذ عام 1871 إلى عام 1884 وله أيضاً نوع من التسريب لبعض الإرشادات النقدية لقراءة نصوصه الروائية. وبدأت هذه الخطوات تأخذ شكل الظاهرة مع بداية عام 1944 حينما كتب توفيق الحكيم روايته «الرباط المقدس» وانتشرت وتمثل الآن ظاهرة تتزايد، فنجد في العقدين الأخيرين مئات من الروايات تنتمي إلى هذا النمط.

ما تقييمك لهذه الظاهرة وتأثيرها على الكتابة الإبداعية؟

الحاجز بين الدراسات الأدبية والعملية الإبداعية بدأ ينهار. يئس المبدعون من النقاد وهذا حقيقة هو الذي جعلهم يفعلون ذلك ودفعهم إلى هذا الأمر ولدينا الآن في الساحة النقدية نقاد تحولوا إلى موظفين يذهبون إلى عملهم في الثامنة صباحاً ويعودون إلى منازلهم في الثانية ظهراً ولا صلة لهم بما يكتب أو ينشر أو يطبع  إلى آخره.

أين الاختصاصيون من أساتذة الجامعة؟

لدينا عدد كبير من أساتذة الجامعة يتعاملون بنظرية الوظيفة ولا علاقة لهم بالعملية الإبداعية مطلقاً، فهم موظفون بدرجة دكتور وهؤلاء لا يضرون أنفسهم فحسب بل يضرون طلابهم والمؤسسات التي ينتمون إليها ويضرون بالحركة الثقافية كلها. حينما يلجأ المبدع إلى عملية تسريب معلومات نقدية في روايته فهو في حركة يأس من الحركة النقدية عموماً، وأظن أن مسألة اعتماد الجودة في مسألة تقييم أعضاء هيئة التدريس والعملية التعليمية ستكون مجدية ومن شأنها تصحيح الأوضاع وتحريك المياه الراكدة.

الارتقاء بالذائقة

كيف ترى حركة النقد راهناً؟

توجد قلة جيدة، أما الغالبية فهم أنصاف نقاد وهذه كارثة في الحقيقة، ومسألة تربية الذوق السليم منعدمة في بيوتنا وفي مدارسنا وجامعاتنا. حتى اختيار النصوص  لتدريسها في المدارس والجامعات يخضع لإجراءات عقيمة، فنحن ملتزمون بأن نقدم للطلاب ما تنص عليه اللوائح والمفترض أن ذلك يحتاج إلى إعادة نظر، فما كان مناسباً من 50 سنة مضت لا يناسب الجيل الآن، ومع ذلك نعطي لهم ما حدث منذ 50 عاماً وما كان مناسباً لأجيال الخمسينيات من القرن الماضي. مسألة اختيار النصوص الجيدة شيء مهم بشكل عملي للارتقاء بالذائقة الأدبية ويجب أن يكون الحديث حول النصوص الأدبية جزءاً من حياتنا. حتى في أحاديثنا اليومية داخل بيوتنا هذا الأمر لا وجود له على ساحة النقاش بيننا وبين أولادنا.

كيف تتم تنمية العلاقة بين الأديب والناقد راهناً؟

تحتاج العلاقة إلى تعاون كلا الطرفين بأن يسعى الناقد إلى الأديب ويسعى الأخير إلى الناقد، وأعتقد أن ثمة ظواهر طيبة وجيدة على الساحة الآن.

هل يؤدي انعقاد المؤتمرات الثقافية الكثيرة إلى نهوض الحركة الثقافية وازدهارها عموماً؟

تؤدي المؤتمرات دوراً حتى ولو كان بسيطاً في المجتمع وهو أفضل من لا شيء، وهذا يحتاج إلى توعية إعلامية في المقام الأول.

نبذة

مواليد عام 1964، حائز دكتوراه في النقد الأدبي من كلية دار العلوم جامعة القاهرة. من مؤلفاته: «البحث البلاغي تطوره ونشأته، الرواية الجديدة في مصر، تعدد الأصوات في روايات نجيب محفوظ، التصوير البياني في التراث البلاغي، الرواية الحوارية، مقدمة في النقد الأدبي، الوجه الجمالي للشخصية العربية، اتجاهات نقد الشعر في مصر، قضايا ومواقف في التراث النقدي، البديع في التفكير البلاغي».

نال جائزة المجلس الأعلى للثقافة في النقد الأدبي عن كتاب «فن القصة القصيرة عند يوسف إدريس»، وجائزة الدولة التشجيعية للآداب عن كتاب «الرواية الجديدة في مصر».